المتغيرات الجوهرية التي تلامس عصب السياسة في الشرق الأوسط ستؤثر حتماً على وجدان اليهود، وستحدث لاحقاً تحولاً استراتيجياً في تفكيرهم، وردات فعلهم السياسي، وحتى يتحقق ذلك، فإن قادة المنظمات اليهودية يحرصون على ترتيب القيادة في إسرائيل وفق المستجدات، على أن يصير ذلك من خلال انتخابات ديمقراطية للكنيست الإسرائيلي.
وهنا أزعم أن نتائج الانتخابات الأمريكية هي أهم المتغيرات التي يتنبه لها قادة اليهود، ومن يدقق في التحولات الحزبية داخل القيادة الإسرائيلية، يكتشف أنها تسير متناغمة مع نتائج الانتخابات الأمريكية، بل يكتشف المدقق أن الانتخابات الإسرائيلية تجري بعد شهور من ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية! ولو عدنا إلى التاريخ القريب لوجدنا التالي:
مجرد انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي "بيل كلنتون" في سنة 2000، والإعلان عن فوز المرشح الجمهوري "جورج بوش"؛ سارع قادة اليهود إلى إسقاط رئيس الوزراء، مرشح حزب العمل "إهود باراك"، وصار التحالف بين الداخل والخارج لانتخاب "أريل شارون" رئيس الحزب الجديد الذي حمل اسم "كاديما" رئيساً للوزراء، وبشكل مباشر، لقد حسب قادة يهود العالم بأن "شارون" سيكون أكثر تناغماً وتنسيقاً مع الرئيس الأمريكي الجديد "جورج بوش"، وقد كان لهم ذلك.
جدد قادة اليهود البيعة لأهود أولمرت، نائب "شارون" مجرد أن فاز "جورج بوش" في انتخابات الرئاسة الأمريكية للمرة الثانية، وسارت الأمور في السياسة الأمريكية الخارجية وفق مشيئة اليهود، حتى ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية سنة 2008، والإعلان عن فوز المرشح الديمقراطي "أوباما"، في ذلك الوقت تعمد قادة المنظمات اليهودية إلى إسقاط "ليفني" زعيمة حزب "كاديما" والحيلولة دون فوزها في انتخابات 2009، رغم حصول حزبها على عدد أعضاء كنيست يفوق ما حصل عليه حزب الليكود، واصطفت الأحزاب اليمينية خلف "نتانياهو" زعيم حزب الليكود، ليصير رئيساً للوزراء، ويكون نداً للرئيس "أوباما"، وينجح في إفشال خططه السياسية التي لا تتوافق مع الأطماع الإسرائيلية في مرحلة الغياب العربي المطلق عن الساحة.
اليوم، يرتفع الصوت عالياً لإجراء انتخابات مبكرة للكنيست الإسرائيلية، وتفيد التقديرات الحزبية بأنها ستجري في شهر شباط 2013، أي بعد ثلاثة أشهر من الإعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكية، وهنا سأجتهد في التفكير وأقول:
إذا فاز بالرئاسة الأمريكية مرشح الحزب الجمهوري "مت رومني"، فإن المصلحة الإسرائيلية تقضي بأن يظل "نتانياهو" رئيساً للوزراء، فهو الأقدر على التعامل مع الرئيس الأمريكي الجديد، لأنه الأقرب إليه، أما في حالة انتخاب "أوباما" لفترة رئاسية ثانية، فإن مصلحة إسرائيل العليا ستكون أهم من مصلحة الأحزاب الإسرائيلية، وأهم من الانتخابات البرلمانية ذاتها، وأهم من مصلحة الشخص مهما كان.
لذلك فإنني أقدر أن ينفرط عقد تحالف أحزاب اليمين الذي شد من ازر "نتانياهو"، ليتصدر الساحة الحزبية في دولة الكيان الصهيوني شخصية سياسية جديدة، تتفهم المتغيرات الدولية، ولا تتصادم مع الرئيس الأمريكي.