جال عيسى النحال وأقرانه الخمسة في سوق المواشي بمخيم رفح وصال دون أن يشتري عجل العيد لهذا العام في ظل شعوره بأن الأسعار لا تزال ملتهبة عشية حلول عيد الأضحى المبارك.
والنحال غير متعجل بأمر الأضحية مثلما كان يحدث أقرانه اللذين دخلوا سوق السبت في رفح وتجولوا في أركانه قبل أن يغادروا قبل ساعة من أذان الظهر.
ويتوافد المئات من أرباب الأسر على أسواق المواشي منذ أسابيع للحصول على أضحية دأب المقدرين على شرائها عشية كل عيد.
واختلف النحال مع تجار المواشي في تسعيرة ثمن كيلوا العجل إذ يريدها بواحد وعشرين شيقلاً لكن التاجر طلب أربعة وعشرين شيقلاً.
ويبلغ سعر كيلو العجل قائما (عند وزنه قبل الذبح) 22 شيقلا (خمس ونص دولار أميركي) وسعر الخروف 26 شيقلا (ست ونصف دولار أميركي) وفق إحصاءات العام الماضي.
وأعلنت الحكومة الفلسطينية الأسبوع الماضي أنها ستبحث تحديد أسعار اللحوم المخصصة للأضاحي من خلال وزارتي الزراعة والاقتصاد، لتحديدها للمستهلك بشكل يتماشى مع الاحتياجات والمتطلبات العامة.
لكن هذا الإعلان لم يصدر بعد على ما يبدو.
ويمثل عيد الأضحى بالنسبة للمسلمين أحد شعائر الحج عندما يصعدون إلى جبل عرفة ويذبحون الأضاحي طاعة لربهم، وهذا ليس لزاماً حسب الشريعة الإسلامية على المسلمين من غير الحجاج، ولكنهم يقومون بذلك اقتداءً بفداء نبي الله إسماعيل ابن إبراهيم بالكبش.
ويبدو التاجر زياد أبو جزر في الأربعينات من عمره متماسكاً رغم أنه لم يتمكن من بيع ثلث ما لديه من مواشي حتى الآن.
ويقول أبو جزر "أمامنا عشرين يوماً والجميع يتحسس الأسعار الآن قبل أن يقوم بالشراء مثل كل عام".
ويضيف وهو ينفث سيجارة بمزرعته قرب الحدود مع مصر "خلال العامين الماضيين تكبدنا خسائر كبيرة بفعل الحصار وارتفاع أسعار الأعلاف وقلة الإقبال لكننا نأمل أن يكون الوضع مختلفا هذا العام".
وكان أبو جزر قد تمكن من بيع مئة رأس عجل خلال الأسبوعين الماضيين والعشرات من الخراف والأغنام وفق ما قال.
وتشكل الأضحية بالنسبة لغالبية العائلات في قطاع غزة المحاصر عبئاً مالياً لا يستهان به، وكثير منها تستعيض عن لحوم المواشي بالدواجن لتوفير وجبة العيد لأفراد الأسرة.
وتقدر احتياجات قطاع غزة في موسم عيد الأضحى من 10- 12 ألف رأس من العجول والأبقار، ونحو 30 ألف رأس من الأغنام والخراف وفق إحصائية أصدرتها وزارة الزراعة مطلع هذا الشهر.
وطمأن مدير عام التسويق والمعابر في وزارة الزراعة تحسين السقا المواطنين بأن أعداد المواشي الموجودة في قطاع غزة حاليًا كافية لتغطية حجم الطلب السنوي لرؤوس الأضاحي المتوقع تداولها في عيد الأضحى المبارك.
وقال السقا لـ"الرسالة نت": "في السنوات الماضية كان سكان القطاع يعانون كثيراً في الحصول على أضحية بسعر مناسب جراء نقص المواشي بفعل الحصار".
وتعتبر الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948 المصدر الرئيسي للعجول وفق السقا الذي قال إن غزة تعتمد على استيراد الأغنام والخراف من مصر عبر الأنفاق.
بيد أن السقا أوضح أن استيراد تلك الأغنام والخراف يخضع لشروط أولها: جلب شهادة صحية للمواشي الموردة، كما يتم حجزها لدى وزارة الصحة لأسبوعين لاستكمال الفحوصات والتطعيمات وتعريضها للرقابة المستمرة، حتى التأكد من خلوها الكامل من الأمراض ومن ثم تسليمها.
وكانت الحكومة قد قررت مطلع هذا العام حظر استيراد المواشي والأغنام من مصر جراء انتشار مرض الحمى القلاعية في مصر.
ورهن منار الشاعر شراء أضحية لهذا العام بحصوله على راتبه الشهري من حكومة رام الله قبل حلول العيد.
وكان الشاعر يتجول في سوق المواشي ويجر بيديه أطفاله الاثنين اللذين كان يلحان على والدهم لشراء خروف العيد.
وقال الرجل وهو في نهاية الثلاثينيات من العمر "متطلبات الحياة كثير والأضحية تساوي قيمة الراتب ويبدو أن صرفه بعيد المنال هذا الشهر"
ويقول الخبير الاقتصادي سمير حمتو إن تطلعات سكان القطاع لتحسين أوضاعهم الاقتصادية بما يسمح لهم بشراء الأضاحي والاحتفال الحقيقي بعيد الأضحى ما تزال "بعيدة المنال".
وقلل حمتو في تصريح لـ"الرسالة نت" من توفر المواشي والخراف بكثرة في الأسواق، وقال "انظر إلى الأسعار وسترى أنها أعلى مما كانت عليه في سنوات الحصار المشدد".
وأضاف "الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة المحاصر منذ سبع سنوات واستمرار ذات الظروف تلقي بضلالها السلبية على إقبال المواطنين على شراء لحوم الأضاحي هذا العام".
وتابع موضحاً أن قطاع الموظفين الحكوميين والذي يمثل شريحة كبيرة من المجتمع لا يزال عاجزاً عن شراء أضحية لهذا العام في ظل الإعلانات المتكررة من قبل حكومة فياض في رام الله عن وجود أزمة مالية وربما لن يكون بمقدورها رواتب هذا الشهر.