لم تكن مصر دولة محورية على مدار القرن العشرين وبدايات القرن الحالي وليس ذلك تقليلا في امكانية أهلها ومقدراتها وتاريخها العريق ولكن بما ابتليت به من زعامات لم يصنعوا مجدا بل صنعوا أنفسهم وذلا جعل المصري مضروبا على قفاه، كما يقول أحمد منصور، أو حمالا للكراسي، كما يقول يوسف ادريس، ولم تكن فلسطين وتحديدا غزة بحكم الجوار بعيدة أن تنالها لعنة كرسي الزعيم.
فقد سجل تاريخ القضية الفلسطينية خطيئة إعلان دولة (إسرائيل) كما سجل خيانة صفقات الأسلحة الفاسدة وتخلي الملك فاروق عن الدفاع عن فلسطين وسجل أيضا هزيمة 1967 وضياع باقي فلسطين وسجل بقاء الزعيم وكانت ارادة الزعامة المصرية بالاعتراف بـ(إسرائيل) واعلان السلام الأبدي والتخلي عن القضية, وكانت لفلسطين والقضية قصتها مع الزعيم مبارك من أول أيامه حين طردت المنظمة من بيروت حتى اعلان ليفني الحرب على غزة بين يديه.
ليس استذكارا للتاريخ اكتب بقدر ما استوقفني الموقف الفلسطيني مع كل مأساة فلسطينية بيدي الزعيم المصري من أول أيام ذاكرتي في حرب 1967 حين لم تقم مظاهرة واحدة ضد الهزيمة او حتى ضد الاحتلال, وخرجت غزة بكلها يوم موت عبد الناصر في ملاطم جماعية تتمنى لو ماتت فداءً للزعيم واستوقفني مؤتمر صحفي لأبي عمار يشكر فيه مبارك على وساطته لضمان خروج آمن للمقاتلين من بيروت إلى تونس.
وليس مقالي من قبيل استحضار جرائم الدكتاتوريات المصرية بحق القضية الفلسطينية بقدر ما قصدت استحضار جرائم الصمت الفلسطيني عن تلك الزعامات حتى كدنا نشكرها على تفضّلها بدفننا بعد حفلات إعدامنا. إن حمل حماس أمانة قيادة الشعب يلزمها أن تكون على غير التي كانت عليه قبل الثورة المصرية، حيث أن الشعب المصري أصبح على وعيٍ جديد وموقف قومي جديد من القضية الفلسطينية، وهي ملزمة أن يكون لها لغة وبيان واضحان وقويان بحجم مأساة الحصار والحرب على غزة، وبحجم ادراكها للدور الذي يجب أن يؤديه الرئيس المصري وحركة الإخوان المسلمين، وتهيء نفسها لخوض معركة سياسية لرفع الحصار وفتح المعابر، ليس بتحميل (إسرائيل) مسئولية حصار غزة كما تريد بقايا أجهزة الدكتاتوريات المصرية ولكن بتحميل المسئولية كاملة على السيد الرئيس مرسي الذي جاء بشعار الميزان بين يدي برنامج العدل والتنمية، وعلى حركة الإخوان المسلمين وعلماء الأزهر ومثقفي ومفكري الشعب المصري، وعلى حماس أن تعلن رفضها القاطع أن يكون حصار غزة وتدمير الأنفاق رسائل طمأنة مصرية وورقة براءة من وزر غزة، وألا تشعر بلحظة واحدة تفهّمها لاستمرار حصار غزة على رأي المثل الشعبي "ضرب الحبيب زبيب" وأن يكون لها رسائل احتجاج جريئة في رفض التمتّع بعذاب المسافرين عبر معبر رفح، وذل الترحيل للمطار وإرهاب قوائم المدرجين على كشوفات المنع من السفر، وعلى حماس ألا تستثني من خطواتها السياسية فكرة دق الجدار وتدميره باعتباره سلوكاً حضارياً وإنسانياً تتفهّمه كل الشرائع العالمية، عندها سيدخل الشعب الفلسطيني مصرَ آمناً وأميناً ولن يجد أبا الغيط يهدد بكسر أرجل من دقوا الجدار.