قائمة الموقع

مقال: أحزاب هلامية

2012-10-18T06:48:10+02:00
مؤمن بسيسو
مؤمن بسيسو

من علامات صحة وعافية المجتمعات أن تتعدد فيها الأحزاب السياسية ذات الرؤى والأفكار والمشارب المختلفة التي تعبر عن برامج واقعية واستجابة حقيقية للواقع واحتياجات الجماهير.

لكن الفرق أوسع ما يكون بين الأحزاب التي تشكل إضافة نوعية للواقع والمجتمع، وبين الأحزاب الهلامية التي تستنسخ أوتوماتيكيا تجارب الغير دون وعي بمعطيات وتضاريس الواقع الذي تعيش في إطاره وفضاءاته، وخصوصية السياسة والجغرافيا التي قد تملي على بلد أو مجتمع معين ما لا تمليه على الآخر.

في حالتنا الفلسطينية فإن الوضع بالغ التشابك والتعقيد، لأننا نعيش حالة مشوهة تجمع بين مقتضيات السلطة الرازحة تحت نير الاحتلال وظروف التحرر الوطني، ولا ينسحب علينا ما ينسحب على البلدان المستقلة والمجتمعات المستقرة بأي حال من الأحوال.

وحين يحاول البعض استثمار أجواء الانقسام التي تركت آثارها السلبية على أسهم التأييد الجماهيري لحركتي: فتح وحماس، بطريقة سطحية ومقاربة أقرب ما تكون إلى العشوائية بعيدا عن الرؤية الثاقبة والدراسة المنهجية، فإن تلك المحاولات والمقاربات لن تحصد سوى الفشل، ولن تقوى على الصمود في وجه الواقع وتقلباته القاسية وتحدياته الكبرى.

ما جرى قبل أيام من تأسيس حزب "النور" السلفي الذي يحاكي، شكلا ومضمونا، حزب "النور" المصري، يندرج في إطار هذه المحاولات المجتزأة والمقاربات غير المجدية التي تجترح التقليد الكامل والاستنساخ التام، ولا تراعي ظروف ومعطيات الواقع الفلسطيني المعروفة.

لو كلف القائمون على تأسيس حزب "النور" الفلسطيني أنفسهم أمر دراسة تجربة حزب "النور" المصري القصيرة لما تجشموا عناء التفكير في إقامة وتأسيس حزب ذي مرجعية سلفية في قطاع غزة.

ألم يبلغ مسامع القائمين على حزب "النور" الفلسطيني أن نظيرهم المصري يمر بمرحلة مخاض عسير، وأن تجربته السياسية والحزبية تترنح بشكل كبير في ظل فوضى السلوك وهلامية البرنامج، وأن أسهمه الجماهيرية قد تراجعت كثيرا في الآونة الأخيرة؟!

من أسف أن تأسيس الأحزاب تحول إلى مجرد "موضة" ومحض تقليد هذه الأيام، فأولئك –وإن كانوا صادقين- الذين يبتدرون العجلة والاندفاع لسدّ الفراغ الذي خلفته فتح وحماس جماهيريا لا يدرون أن الجماهير لا تمنح ثقتها إلا لأصحاب برامج واضحة قادرة على التعامل مع أزمات المرحلة، وأن الأسماء البراقة قد لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل واقعنا الفلسطيني الطافح بالمشاكل والملبد بالأزمات.

الملاحظ أن اسم وشعار "السلفية" أضحى ذا رواج كبير هذه الأيام، وأن أيا كان يستطيع التمسح بالدعوة السلفية ويدعي وصلا بها، وهو أبعد ما يكون عن فهم جوهرها وحقيقتها وبلوغ معناها ومراميها وأهدافها.

لا نحجر على أحد حق ممارسة العمل الحزبي، فلكل إنسان الحق في معتقداته السياسية والفكرية، وحق ترجمتها على أرض الواقع، لكننا –في المقابل- نربأ بساحتنا الفلسطينية أن تكون مستودعا للفوضى الحزبية التي تشتت العمل والجهد الوطني، وأن تتحول إلى ميدان للمناكفات والصراعات الحزبية التي أثبتت تجربتنا الفلسطينية الراهنة أنها كانت وبالا ونذير شؤم على شعبنا وقضيته الوطنية.

القوى الإسلامية والوطنية كثيرة، ولله الحمد، وذات تمثيل عال لمختلف الأطياف والقطاعات على ساحتنا الفلسطينية الداخلية، ولا نحتاج إلى إضافات حزبية جديدة ومكرورة بقدر ما نحتاج إلى إعادة إصلاح المنظومة الحزبية البالية والمتهالكة، وإعادة تأهيلها وتوظيفها لخدمة شعبنا ووطننا وقضيتنا.

اخبار ذات صلة