اختلفنا أو اتفقنا حول الدور القطري في المنطقة والقضية الفلسطينية بشكل خاص، إلا أن هذه الزيارة التي سيقوم بها أمير قطر والوفد المرافق له تعد علامة فارقة وخطوة تسجل لقطر كون أميرها أول مسئول عربي على هذا المستوى يقوم بزيارة قطاع غزة في ظل الحصار المفروض وبعد العدوان عام 2008 -2009 والذي أدى إلى تدمير واسع في القطاع.
زيارة أمير قطر هي بمثابة معول هدم للحصار السياسي والحصار الاقتصادي وبدء عملية الاعمار الحقيقية للقطاع وفق مشروع قطري رصدت له ميزانية تقدر بالمليار وربع المليار دولار دفعتها الأولى 258 مليون دولار جلها في إعادة تأهيل البنية التحتية سواء في الطرقات أو الزراعة أو المجال الصحي إضافة إلى اعمار عدد من المنازل والمنشئات الصناعية المدمرة.
الحديث يدور على أن كل ما يتعلق بمواد البناء والمعدات سيدخل إلى قطاع غزة عبر معبر رفح البري وبموافقة مصرية وهذه المواد من المتوقع أن تكون أيضا مصرية مما يعني تجاوز شروط الاحتلال وتأثيراته على عملية الاعمار.
ولكن هناك كثير من الأسئلة تطرح من الناس ومن المراقبين للشأن الفلسطيني وخاصة لحركة حماس وحكومتها في غزة، السؤال الأول: ماذا ستجني قطر من خلال هذا الدعم لقطاع غزة في ظل حكومة حماس من أرباح سياسية تسعى إلى تحقيقها؟، وهل حماس وحكومتها مطالبة بدفع أثمان سياسية لهذا الدعم وفق القول الدارج (من صلى طلب الغفران).
من حق قطر أن تسعى جاهدة إلى لعب دور عربي وإقليمي وأن تسعى إلى أن يكون لها مكانة معتبرة في المنطقة في ظل غياب مصر وانكفاء السعودية على نفسها وسوريا المطحونة بفعل ما يجري فيها على يد نظام الأسد، وهذا حق لكل دولة أن تحاول إيجاد مكانة لها على الخارطة السياسية في المنطقة، وهي تقدم الدعم في مجالات عدة لكسب هذه المكانة وتحقيق مصالحها، ولكن في المقابل علينا أن ندرك أن حركة حماس ترحب بأي دعم يقدم للشعب الفلسطيني طالما أن هذا الدعم غير مسيس، أو مطلوب مقابله دفع أثمان سياسية، والتجربة مع إيران مثلا واضحا أكد أن حماس ليست ورقة في جيب احد، وأنها لن تكون حليفا هنا أو هناك بما يخالف أو يناقض حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني، وهي على علاقة متساوية مع الجميع.
وهناك من يقول أن قطر لم تقم بما قامت به إلا بعد أن تلقت ضوء أخضرا من الإدارة الأمريكية ومن (إسرائيل) للدخول إلى غزة وبدء مشروع الاعمار بهدف أن هذا الاعمار سيجعل من حركة حماس تتصدى للمقاومة الفلسطينية بذريعة حماية المجتمع الفلسطيني والحفاظ على عملية الاعمار خشية أن تقوم قوات الاحتلال بتدمير القطاع كما فعلت في عدوانها (الرصاص المصبوب) معركة الفرقان، وكذلك قد تؤدي عملية الاعمار إلى تخلي حماس عن المقاومة لنفس الأسباب السابقة.
قد يكون هذا التفكير واردا من قبل أمريكا و(إسرائيل) وقد يكون هناك تواطؤ من قطر في هذا السياق، ولكن هناك طرف ثان في المعادلة وهي المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام وحماس التي لا ترى أن المقاومة تكتيك بل هي استراتيجية وقانون التعامل مع المحتل، وأن هذا الاعمار لن يمنع المقاومة من الرد على أي عدوان أو الدفاع عن النفس والأرض والإنسان الفلسطيني، دليل ذلك أن عملية الاعمار بدأت قبل المشروع القطري وإن كانت بشكل بسيط، وفي نفس الوقت لم تتوقف المقاومة عن التصدي للعدو أو في بناء قدراتها الدفاعية وتحصيناتها تحسبا لأي عدوان على قطاع غزة، ومشروع الاعمار القطري سيمضي على الأرض وفي نفس الوقت هناك عملية اعمار تقوم بها قوى المقاومة على طريقتها الخاصة بحيث تصل إلى ما يمكن أن تصل إليه من أدوات قتالية لمواجهة العدو وتعمل أيضا على تطوير قدراتها الذاتية وإعداد مقاتليها وتدريبهم على احدث طرق وسبل المواجهة مع المحتل، ولن تمنع عملية الاعمار التي تجري في القطاع المقاومة من تنفيذ عمليات ضد الاحتلال أو تجهز نفسها لأي معركة قادمة.
أنا لا أخشى على حماس من أن تصبح ورقة في جيب احد ولا اخشى على المقاومة من أن تتأثر بعملية الاعمار وسيكون هناك توازن بما يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني ويبقي مقاومته مستمرة طالما بقي الاحتلال على الأرض الفلسطينية.