قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: الشعب الفلسطيني صانع ومصنوع

كنعان عبيد

المجتمع الفلسطيني رغم صِغره وقلة مساحة أرضه وانعدام مَوارده يحمل في طياته تشكيلات إثنية ما لم تحمله دول كبيرة , ولا يمكن اعتباره كينونة ديموغرافية متجانسة تنطبق عليها مقاييس علم الاجتماع في دراسة عادات وثقافة الشعوب.

ولعل الاستقطاب الحزبي والفصائلي الفلسطيني يفوق الاستقطاب الطائفي والعرقي في كثير من البلدان حتى لا نكاد نرى من يغير انتماءه من التنظيمات وكأن الولاء للتنظيم عقد أبدي كرابطة الدم.

ومع اقتراب ذكرى مؤتمر مدريد تستوقفنا مظاهرات التأييد والمعارضة حين وضِعت أغصان الزيتون على جيبات الجيش (الإسرائيلي) وقُذفت المظاهرات المعارضة للمؤتمر ويستوقفنا سؤال كبير بحجم القضية "على أعين من يُصنع فكر وثقافة الشعب الفلسطيني؟" ومن تلك القوة الخارقة التي استطاعت صناعة موقف حزبي يقلب مفاهيم الاحتلال والمُحتل رأسا على عقِب ومن ذا الذي سحر أعين الناس وجاء بسحر عظيم ليجعل المطالبة بفلسطين جنونا  والمقاومة ارهابا, ومن صنع فكر المقاومة الشعبية خارج إطار الحجر والبندقية وعنده (إسرائيل) وُجِدت لتبقى وجعل من عمالة التنسيق الأمني مصلحة قومية.

ليس من أجل ما سبق كتبت مقالي بل سقت المقدمات لأقف عند تقييم موقف حماس من صناعة فكر وثقافة الشعب الفلسطيني على عينيها.

 حين استطاعت حماس بطريقتها التربوية المركزة أن تصنع أبناءها كشخصيات إسلامية منتمية مطيعة واستطاعت أن تتصدر بهم طليعة العمل الوطني والجهادي والسياسي وتألقت بهم بديلا تنظيميا إسلاميا عن المنظمة واستطاعت تصدير ثقافة الاستشهاديين إلى باقي التنظيمات حتى اليسارية منها وكانت الصبغة الإسلامية تزين تسجيلاتهم.

 حين أتقنت حماس صناعة المقاومة أبطلت ما صنعته أوسلو في نفوس الشعب وانقلب سحر التطبيع على المطبعين واستطاعت أن تصنع في نفوس الشباب العربي ثورة ربيع كانت غزة والمقاومة الفلسطينية عنوان الوحي والتقليد.

وأيضا كان الانقسام الفلسطيني يصنع ثقافة الثنائيات المقيتة بين فتح وحماس ,و غزة ورام الله, وعامل ومستنكف, وصنعت نفوساً تنتظر الاحتفال بتدمير غزة وترفض إدانة الاحتلال وتطالب باستمرار الحصار وصنعت من يبحث عن شاليط كي يفسد التبادل وصنعت من فقد فلسطينيته وإنسانيته, وهنا فقدت حماس أيضا قدرتها على صناعة الفكر والثقافة خارج منظومة أبنائها ولم تكن ثوابتها الوطنية محددات لا يزيغ عنها وطني وربما انفردت مع الجهاد الإسلامي في تسيير المظاهرات الرافعة للمواقف الوطنية, ورغم غنى أرشيف حماس الجهادي والتربوي وسمو تاريخ قادتها وأبنائها إلا أن صناعة النفوس تلزم حماس الاستمرار في الجهاد والمقاومة ووأن تنأى بنفسها عما كان بداية انحدار المنظمة وأن تنطلق بعد كَبوة في الضفة وغزة نحو صناعة فكر المجتمع وثقافة المقاومة ليس بمفهوم الاستيعاب التنظيمي بل بمفهوم استيعاب الثوابت كي تكون فلسطينية وليست ثوابت حماس فقط وعليها تصدير مفكرين ومثقفين بين يدي المشروع الوطني الجامع قادرين على صياغة فكر الثوابت الفلسطينية والاستفادة من جميع الطاقات الوطنية.

} وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ

البث المباشر