قبل عقدين ونيف من الزمن، تحديداً بعيد الأضحى المبارك عام 1987م قضى آخر عيد بين أحضان أسرته قبل أن يعتقله الاحتلال (الإسرائيلي) ويزج به في غياهب السجون.
روحي مشتهى (54 عاماً) لم يمر على احتفاله بزواجه آنذاك 6 أشهر، ليغيب خلف قضبان السجون (الإسرائيلية) طيلة ثلاث عقود قضى فيها شبابه بعيداً عن ناظري زوجته وأسرته.
العيد الأول
30 عاماً فيها 60 عيد مرت بين "فطر وأضحى" وروحي في المعتقل احتضنت فيها زوجته أحلامها وعانقت ذكرياتها وتجرعت مرارة الصبر في كل ساعة.
اليوم تحتفل "رائدة مشتهى" بصحبة زوجها المحرر ضمن صفقة "وفاء الأحرار" -المبرمة بين المقاومة والاحتلال- بأول عيد أضحى داخل منزله الذي فارقه طيلة السنوات السابقة.
وتنسم المحرر مشتهى عبق الحرية العام الماضي ضمن صفقة وفاء الأحرار التي تصادف هذه الأيام ذكراها الأولى، ولم يتمكن من قضاء عيد الأضحى وقتها بين ذويه لأدائه مناسك الحج في ذاك الوقت.
وقضى أبو جمال 24 عاماً خلف القضبان من مجمل الحكم الذي صدر بحقه بالسجن لأربع مؤبدات وعشرين عاماً.
بزغت شمس السادس والعشرين من أكتوبر (تشرين أول) وعلى غير عادته طيلة العقود الثلاث الماضية توضأ "أبو جمال" وودع أهله متجهاً نحو العراء – المكان المخصص لأداء صلاة العيد بمنطقة شرق غزة – ليؤدي بصحبة أبناء شعبه وأشقائه أول صلاة عيد خارج السجون (الإسرائيلية).
جلس القيادي مشتهى في أول صفوف المصلين يجاوره عدد من قيادات حركة حماس بغزة ولسانه يردد تكبيرات العيد "الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد".
ما أن انتهت صلاة وخطبة عيد الأضحى حتى نهض أبو جمال عائداً إلى منزله ليجهز عتاده ويسن سكاكينه مقبلاً نحو نحر أول أضحية له بعد عقدين نحرت فيها سنوات عمره وذابت زهرة شبابه خلف القضبان .
وعاد أبو جمال بشريط ذكرياته لآخر عيد أضحى قضاه مع أسرته قبل اعتقاله لسنوات عديدة في السجون (الإسرائيلية) ليردد "الحمد لله كانت سنوات صعبة لكن الله منّ علينا بالفرج والتحرر" .
ويعجز مشتهى الذي اشتعل رأسه شيباً عن وصف شعور أسرته ومن حوله لقضائه أول عيد بين أحضانهم، سيما بعد مرور24 عاماً من القيود وليالي الزنازين المظلمة.
ويقول في حديث خاص لـ"الرسالة نت" عقب أدائه صلاة عيد الأضحى بغزة "نشعر بالفرح وبعظيم نعمة الله علينا وعلى الأسرى المحررين من حولنا" .
فرح وحزن
وتختلط فرحة الحرية والعيد بحزن كبير يُسيطر على المحرر مشتهى لفراقه إخوانه من الأسرى القابعين في السجون (الإسرائيلية)، وعدم خروجهم من المعتقلات إلى ذويهم.
ويشير المحرر – الذي اعتقل على خليفة نشاطه في حركة حماس إبان الانتفاضة الأولى - إلى أنه يفرح اليوم لنهضة الأمة وعودة الإسلام عبر الثورات التي نشهدها .
ويستطرد "لكننا نحزن لبعض العثرات التي تمر بها الأمة ابتداءً بأسرانا وأقصانا وما يحدث بسوريا وغيرها من دولنا التي أبت إلا أن تتحرر من ضعفها وهوانها وتبذل في سبيل حريتها كل غال ونفيس" .
وهنأ مشتهى الأسرى الذين لا زالوا يقبعون خلف أسوار المعتقلات (الإسرائيلية)، مشيداً بصمودهم وثباتهم رغم عنجهية السجان وصلفه.
وخاطب أبو جمال الأسرى قائلاً: " كل عام وأنتم بألف خير هذا يوم من أيام الله يوم فرح وسرور رغم ما نعيش من ألم ومعاناة وحرمان وبعد عن الأهل والأوطان لأنه يوم يجب فيه أن نفرح لأنه عيد للإسلام والأمة".
ويؤكد مشتهى أن المحررين لا زالوا على العهد مرابطين ثابتين على أرضهم بعد مرور عام كامل على إطلاق سراحهم .
ويردف "نحن على عهدنا مع أسرانا سنحافظ على ثوابتنا ولن نقيل ولن نستقيل إلا أن يكونوا بيننا أعزاء كرماء وقد من الله عليهم بالفرج وقد تحرروا هم والمسرى بهذا الإيمان المتدفق في الأمة المتصاعد يوماً بعد يوم" .