د.عدنان أبو عامر
تفتتح إسرائيل العام الجديد 2010 بسلسلة تهديدات أمنية وإستراتيجية تعتقد المؤسسات البحثية والدراسية فيها أنها بحاجة إلى إعادة قراءة وتقييم، في ضوء تعاظم مخاطرها وتزايد خطورتها.
وربما جاءت جهود معهد أبحاث الأمن القومي لمحاولة وضع تقدير موقف للعام الحالي جزءا من هذا الحراك البحثي والدراسي في إسرائيل، وجمع جملة من صناع القرار والمقربين من دوائره مؤخراً.
ولذلك لم يكن عبثاً أن يعلن رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" الجنرال "عاموس يادلين" أن هنالك حالياً هدوءاً على جبهات الشمال والجنوب حسب اعتقاده بفضل العمليات العسكرية التي قامت بها إسرائيل في حرب لبنان الثانية، والهجوم على قطاع غزة.
لكنه يضيف أن جزءاً من الهدوء سببه أن منظمات حزب الله وحماس تستغلان الظروف الحالية للقيام باستعدادات مختلفة من تدريبات عسكرية والتزود بالأسلحة، وهنالك استعدادات جادة لمواجهات جديدة مع إسرائيل.
وبهذا الصدد يقول يادلين أن عناصر "المحور الراديكالي" إيران وسوريا وحزب الله وحماس تدرس التطورات المختلفة في مجالات عديدة، وبالتالي تقوم بالاستعداد لمواجهات جديدة بناء على ما تم القيام به في الماضي، وتسعى للامتناع عن أخطاء كانت في الماضي.
وبالتالي تدرس الخطوات العسكرية التي قام بها الجيش الإسرائيلي من أجل التعامل بشكل مختلف مع قواته المختلفة في المستقبل.
وفي الجانب التكنولوجي يرى يادلين أن هنالك الكثير من التطور لدى الدول والتنظيمات المعادية لإسرائيل، وبالتالي هذا الأمر يشكل تحدياً كبيراً للقدرات العسكرية والتكنولوجية الإسرائيلية، مما يوجب على إسرائيل العمل لتطوير قدراتها بشكل يبقي فجوة لصالح إسرائيل.
النقطة التي يتوجب الاهتمام بها بشكل أوسع كما يشير "يادلين" في إطار توقعاته السنوية هي القدرات الإلكترونية، والقدرات في مجال الحواسيب لدى الجهات المعادية لإسرائيل، والتي ستستخدم في المستقبل لمهاجمة مراكز الاتصالات المدنية والعسكرية الإسرائيلية ومراكز الحوسبة.
نائب وزير الخارجية "داني أيالون" اتهم بعض القيادات الفلسطينية بأنها تسعى لمحاربة إسرائيل في الحلبة الدولية، وعزلها في المحافل المختلفة، خاصة فيما يتعلق بقضية تقرير "غولدستون"، وهذا الأمر لن يؤدي إلى التقدم في مجال المفاوضات التسوية.
ويشير إلى أن هنالك محاولات من جانب حزب الله وحماس، لتحويل الصراع إلى صراع ديني، وبالتالي التأثير على الدول الأخرى العربية والإسلامية، لكنه أشار إلى أن إسرائيل تطمح أن تكون العلاقات مع العالم العربي والإسلامي على شاكلة العلاقات مع تركيا قبيل الأزمة الأخيرة.
العقيد احتياط "شلومو بروم" يشير إلى عدم وجود إستراتيجية واضحة للتعامل مع التهديدات المختلفة المحدقة بإسرائيل، وهنالك شعور بأن جزءاً من التهديدات عليها لا يحظى بما يكفي من البحث والتمحيص، وبالتالي يرى ان هنالك الكثير من التهديدات المرتبطة ببعضها، التي قد تنعكس بشكل أو بآخر وتؤثر في عدة مواقع.
وتطرق بروم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بقوله أن إيجاد الحلول لهذا الصراع سيمكن إسرائيل من تقليل التهديدات الإيرانية، حيث أن إيران تستخدمه –كما يزعم- من أجل التدخل في الواقع القائم، ما يمنحها الشرعية للتدخل، وبالتالي فيما إذا كانت هنالك عملية تسوية، فهذا سيقلل من التدخل الإيراني، والمجتمع الدولي ستكون ردوده تجاه طهران أقوى.
ويرى بروم أن هنالك حالياً فوارق كبيرة في مواقف وأهداف الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بشكل خاص في مسألة المستوطنات وإخلاء المستوطنين الذين هم بحد ذاتهم مشكلة ليست بالسهلة.
وبهذا الصدد يضيف أن طاقماً خاصاً من الباحثين الإسرائيليين يعكف على دراسة الجوانب المختلفة للصراع، وإمكانيات الحلول خاصة الموضوعات المتعلقة بمسألة اللاجئين والقدس والمستوطنات وهي الموضوعات الحساسة.
الغريب في الأمر أنه بعكس الكثير من التوقعات والتقديرات، فإن هناك تعويلاً إسرائيلياً واضحاً على جهود السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، من الزاوية الأمنية.
وبالتالي فهي تقوم –بنظر واضعي التهديدات- بضبط الأمن في المناطق التي تحت سلطتها، وتقديم المساعدات لها سيسهم كثيراً في التقدم على المسار السلمي، وهنالك خطة سلام فياض التي سيؤدي تطبيقها للكثير من التطور السياسي والاقتصادي.
بالنسبة لحركة حماس، ترى الأوساط الإسرائيلية أن هذا التحول السياسي سيمنع الحركة من إمكانية توسيع سيطرتها والدخول في "الشقوق"، والتأثير على مجريات الأحداث، وبالتالي سيؤدي لإنجاح المفاوضات السلمية.
وزير شؤون الاستخبارات من جهته، "دان مريدور" الذي ينظر إليه في إسرائيل على أنه من واضعي ومؤسسي النظرية الأمنية الحديثة، يتنبأ بصورة تقترب من اليقين أن خطر تجدد العنف في المنطقة أمر ملموس، وقد تشهد المنطقة إضافة للوضع القائم تفجر حالة مواجهة مع الجانب الفلسطيني.
ولذلك فهو يوصي بأن تستمر عملية بناء المؤسسات الفلسطينية، وبناء الاقتصاد الفلسطيني، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الجانب الفلسطيني.
وعلى إسرائيل المساهمة في الجهود الفلسطينية في هذا المضمار، وعدم القيام بخطوات قد تمنح حركة حماس والفئات الأكثر عقائدياً دافعاً لتوسيع نفوذها في الشارع الفلسطيني.
* الضفة وغزة..بقاء الوضع
الوزير الإسرائيلي "د. بيني بيغن" وهو الأكثر تطرفاً في الحكومة الحالية أشار إلى أن تطورات مختلفة تعصف بالمنطقة، فسوريا ما زالت تسعى للسيطرة على لبنان، وبطرق مختلفة تمكنت من إخضاع خصومها اللبنانيين، وبدأوا يتماشون مع المصالح السورية.
بينما حزب الله أصبح القوة الأقوى في لبنان، وبيديه أربعين ألفاً من الصواريخ الموجهة تجاه إسرائيل، بينما سوريا تسيطر على الموقف برمته وتجيّره لمصالحها.
ولذلك على إسرائيل عدم التهاون إزاء مثل هذا الوضع، لأن نتائجه ستكون وخيمة، وهنالك نقاط أخرى يتوجب متابعتها، فالتهاون في مسألة مشاركة حركة حماس في الانتخابات أدت إلى ما آلت إليه الأوضاع في قطاع غزة.
وعند الحديث عن قطاع غزة ترى التقديرات أن حركة حماس في حال عدم إنهاء ملف صفقة التبادل وبسرعة، ومع استمرار حالة الضغط التي ستتعرض لها، قد يدفعها إلى تنفيس الضغط الداخلي، عبر عمليات عسكرية باتجاه إسرائيل، والعودة لإطلاق القذائف.
وتعترف معظم التقديرات أنه مع افتتاحية عام 2010 فإن حماس أعادت بناء قوتها، بل وتجاوزت الحد الذي كانت عليه عشية حملة الرصاص المصبوب، وتمتلك اليوم مخزوناً كبيراً من القذائف تجاوز العدد الذي كانت تمتلكه عشية الحملة العسكرية من حيث الكمية والنوعية.
وتورد ما تصفها بحقائق يجب إدراكها، وهي، أن معظم التمويل العسكري لحركة حماس يصلها عبر القنوات الخارجية، والانخفاض الكبير في العمليات العسكرية، بسبب رغبة الحركة في الحفاظ على استقرار نظامها في القطاع، حيث تفضل الهدوء على الأزمات.
لعل الشيء الأهم في التقديرات الإسرائيلية لهذا العام هو استبعاد عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، من وحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، متوقعة أن ينتهي العام 2010 دون نجاح لمساعي القاهرة لإنجاز المصالحة.
وتوصي بتكثيف العمل الأمني والاستخباري، فقد تحدث مفاجآت في المرحلة القادمة، وتنهار الأمور ولا أحد يستطيع أن يضمن ماذا سيحدث مستقبلا، لكن، من مصلحة إسرائيل أن تكون هناك إدارة فلسطينية تدير شؤون الضفة وغزة، وألا يكون هناك فراغ سياسي، لأن البديل لن يكون لصالح رغباتها.
أخيراً.. لئن كانت إسرائيل قادرة على الاستمرار والحياة لسنوات قادمة في إطار الوضع الحالي من التهديدات والتحديات، لكنها ستشهد الكثير من المتاعب في حال استمرت الظروف على ما هي عليه، ولعل هذا قدرها بعد غياب العصر الذهبي من الاطمئنان والاستقرار الذي نعمت به خلال العقود الماضية.