قائمة الموقع

مقال: مقال | هل لا زال منطق التهدئات ضرورياً ؟!

2012-11-18T22:24:35+02:00
د. نهاد الشيخ خليل
د. نهاد الشيخ خليل

إن الحديث عن الهدنة أو التهدئة أصبح من الأمور الخطيرة جداً, وذلك لأنه يستخدم من قبل الإحتلال, ومن قبل خصوم المقاومة, في محاولة لتدجين قوى المقاومة, وتضليل الرأي العام العربي والعالمي, ويلاحظ الجميع أن الحديث الآن حول من اخترق الهدنة أو التهدئة, ومن التزم بها, وكيف سنعود إليها؟ وبأية شروط؟ , وهذا يعني أن هؤلاء لا يعتبرون المقاومة عملاً متصاعداً من أجل تحرير فلسطين.

ولتوضيح الفكرة بشكل أفضل لابد من الرجوع إلى جذور فكرة الهدنة عندما طرحت في البداية، ثم التطورات التي لحقت بها بعد ذلك.

في البداية، تحدث الشيخ أحمد ياسين عام 1988, خلال الانتفاضة الفلسطينية الكبرى, عن إمكانية الوصول إلى هدنة, إذا انسحب الإحتلال, وتمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولة كاملة السيادة على الأرض المحتلة, دون إعطاء تفصيلات كثيرة عن مفهوم الأرض المحتلة وغيرها من متعلقات طرح عرض الهدنة.

وهذه الفكرة توضح أن حماس في حينه أعلنت أنها تقبل بهدنة تنهي الاحتلال, وتمنح الشعب الفلسطيني حقه في الإستقلال، وفي العام 1996م طرح الدكتور موسى أبو مرزوق، عندما كان رئيساً للمكتب الساسي لحركة حماس، فكرة الهدنة من جديد, وذلك بعد العمليات التي نفذتها كتائب القسام رداً على اغتيال المهندس يحيى عياش.

لم يشمل هذا العرض أية تفاصيل أيضاً, وإنما حافظ على جوهر الفكرة , وركز في عرضه على ضرورة تجنيب المدنيين من الجانبين وبداية الحرب.

في المرتين السابقتين (الشيخ أحمد ياسين والدكتور موسى أبو مرزوق) لم يكن طرح الهدنة مبادرة حمساوية تعكس رغبة ذاتية , وإنما كانت ردوداً على أسئلة سياسية في مواقف حرجة, لكنها لم تكن تعكس بحال من الأحوال رغبة الحركة في وقف القتال, أو التسليم بوجود الاحتلال , ذلك أن الحركة في الحالتين كانت تدرك أن الاحتلال سيرفض الاقتراح.

بدأت المشكلة في التعامل مع مفهوم الهدنة في فترة حكم محمود عباس سنة 2004م، عندما أراد أن يوقف المقاومة, وأن ينهى الإنتفاضة, لكنه كان يدرك أن هذا عملاً صعباً ومكلفاً, وغيرمضمون النتائج.

ويبدو أنه استجاب لنصائح بعض الخبراء في شئون الحركات الإسلامية, واتخذ من مفهوم الهدنة مدخلاً للحديث حول الوصول إلى وقف المقاومة ولو مؤقتاً.

واستجابت حماس لهذا المقترح باعتبار أنه لا يشتمل على مخالفة شرعية, وأنه يتيح فرصة لالتقاط الأنفاس, واستعادة الترتيبات, كما أنه يبعد شبح المواجهات والانقسامات الداخلية , التي كان من شأنها أن تنهي الانتفاضة بشكل مأساوي لو حدثت .

ولا شك أن الاجتهاد آنف الذكر من حماس وقوى المقاومة يملك من الوجاهة ما يغري أصحاب ويدفعهم لتبنيه والعمل بمقتضاه.

 وبعد ذلك طولبت حماس بتجديد الهدنة, وجرى التعديل على الاسم وأصبح تهدئة بدلاً من هدنة, على اعتبار أن التهدئة اجراء ميداني, أما الهدنة فهي فكرة سياسية, وأرادت الفصائل التأكيد على أن مايجري لا يتعدى كونه عمل إجرائي لا يتضمن أبعاداً سياسية.

وهذا يعكس أن الفصائل, وفي فترة مبكرة بدأت تشعر بالورطة جراء التعاطي مع هدنة قد تتمدد, لكي تصبح شبيهة بالهدنة بين الأنظمة العربية والاحتلال الاسرائيلي.

لكن الهدنة /التهدئة تم تجديدها, ثم تمديدها, وبين المرة والأخرى كان يجري نقاش عبر وسائل الاعلام عن الهدنة المجانية أو الهدنة بمقابل, لكن في كل المرات الهدنة أو التهدئة كانت تعاني هدوء مقابل هدوء, وأحياناً تخفيف بعض مظاهر الحصار.

وكانت الهدنة تشمل غزة والضفة في البداية, ثم أصبحت تخص غزة وحدها, وأصبحت الضفة خارج التهدئة, وفريق التسوية ضَمن ملاحقة المقاومين, ومنع المقاومة في مرتفعلات فلسطين الوسطى (الضفة الغربية).

بعد فوز حركة حماس في الانتخابات طرح البعض ضرورة استخدام الهدنة في محاولة تصحيح الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه منظمة التحرير الفلسطيني وهو (الاعتراف بإسرائيل), وهذا يعني أن تعلن حماس استعدادها لإعطاء هدنة طويلة الأمد (أكثر من عشر سنين) في مقابل اعتراف العالم بدولة فلسطينية على الأرض المحتلة عام 1967.

لم تتفاعل حماس رسمياً مع هذا الاقتراح, وقامت منظمة التحرير بهجاء هذا الاقتراح, واعتبرته تناغماً مع طروحات إسرائيلية بإقامة دولة مؤقتة, أو السلام الإقتصادي.

لا شك أن اعتراض منظمة التحرير الفلسطينية على هذه الفكرة ينطلق من خشيتها أن يجد الغرب مدخلاً للتعامل مع حماس, واعتبارها طرفاً في أية ترتيبات مستقبلية, لأن قيادة منظمة التحرير الفلسطيني تريد أن تحتكر العلاقة مع الغرب لنفسها, وهي لا تملك اليوم ما تقدمه للشعب الفلسطيني سوى هذه العلاقات التي توفر الرواتب واستمرار السلطة.

في كل الأحوال لم تنجح الفكرة السابقة, وبعد سيطرة حماس على غزة , وحاجتها لاستقرار الأوضاع, وتخفيف آثار الحصار الظالم, وتقديم الخدمات للناس بشكل مريح، وأصبحت الهدنة أو التهدئة أمراً واقعاً, وحاولت حماس الاستفادة من التهدئة في إعادة بناء المنظومة العسكرية أيضاً.

وتخلل هذه الحالة عدداً كبيراً من المواجهات بين المقاومة والحتلال, اجتهدت حماس في التعامل معها بطرق مختلفة, أحياناً أدارت المشهد عن بعد, وفي المواقف الصعبة كانت في مقدمة المجاهدين.

فريق التسوية كان يراقب المشهد في السنوات الأخيرة عن بعد, رسمياً يرحب , وربما يدفع المخابرات المصرية للعمل على إقناع حماس والفصائل بالتهدئة، ومن جهة أخرى يطلق العنان لأبواقه لكي يهاجوا حماس بالقول أنه لا فرق, لا يوجد مقاومة في غزة ولا في الضفة.

كانت الخشية في السنوات الأخيرة أن تصبح حالة الهدوء هي السائدة, وكان العزاء أن قوى المقاومة في غزة تتسلح بجدية, وتحشد ما استطاعت, لكن فكرة التهدئة أصبحت كما لو أنها من طرف واحد , فالإحتلال يواصل الحصار, ويمارس العدوان أحياناً ولا توجد ردود مكافئة.

وعندما ترد المقاومة, وتحدث اشتباكات قاسية, ثم يتداعى الوسطاء لتثبيت حالة التهدئة من جديد.

لا شك أنه وضع غير طبيعي فنحن شعب واقع تحت الاحتلال, ومن حقه أن يقاوم والمقاومة يجب أن تكون متصاعدة, وبوصلتها نحو التحرر الكامل وليس نحو استفادة التهدئة.

ربما في عهد مبارك والضغوط التي كانت تمارس على المقاومة, كان يوجد بعض العذر, لكن اليوم هنالك واقع عربي جديد, صحيح أن هذا الواقع لا يزال يتشكل, ويجب عدم توريط دول الربيع العربي في مشاكل كبرى.

لكن الجديد في الأمر, هو أن النظام المصري لن يضغط على المقاومة من أجل التوصل إلى تهدئة, والرأي العام المصري والعربي سيكونا داعمين وضاغطين باتجاه قرارات سياسية مناصرة للشعب الفلسطيني, وهذا جديد وهام, وكافٍ في هذه المرحلة.

وبناءً عليه يجب أن تكون هذه المعركة الدائرة حالياً بداية لعهد جديد، تحتشد فيه الطاقات العربية كلٌ حسب إمكانياته وقدراته من أجل:

أولاً: تكبيل أيدي الإحتلال دون تعهد من الفلسطينيين بالإمتناع عن أعمال المقاومة.

ثانياً: إطلاق المبادرات الشعبية والإعلامية والحزبية لنصرة الفلسطينيين في غزة والقدس وأراضي 48, وفي الشتات.

ثالثاً: الرد المصري يجب أن يكون من خلال إتاحة الفرصة أمام الفلسطينيين في غزة للتحرك عبر المعبر بشرياً وتجارياً، وأن يمتلكوا كل أسباب القوة التي تجعلهم قادرين على مواجهة الاحتلال.

رابعاً: يمكن أن تتخذ مصر من هذا الحدث نقطة بداية لخطوات متلاحقة على صعيد تقليص العلاقة مع الإحتلال, وصولاً إلى إنهائها عندما يحين الوقت، وتتوفر الفرصة المناسبة.

أما الحديث عن التهدئة التي تجبر الفلسطينيين على وقف المقاومة, فيجب أن يكون حديثاً من الماضي وعنه, أما الحاضر والمستقبل فلا مكان فيه لهدنة أو تهدئة, إلا إذا كان عملاً ذاتياً يلتزم فيه الفلسطينيين من أجل التمكين للمقاومة.

فالاحتلال لن يقوى على إطالة أمد حرب هو غير قادر على تحمل تبعاتها في ظل الواقع العربي الجديد.

اخبار ذات صلة