خِلتُ أن الهدوء والسكينة وشيكان حين تلاشت عن أذني أصوات دوي الانفجارات، ولهج لساني حينها بشكر المولى جل وعلا على ما كان.
وقبل أن أبدأ لتخطيط جدول الغد، ترامى إلى مسامعي أصوات استهدافٍ جديد لمنزلٍ في الشمال، ثم ما لبثت أن سمعت بقصفٍ آخر في الجنوب، وهكذا..
ليس سردي السابق لتاريخٍ مضى ولا هو رواية لكابوسٍ مزعج، ولا لفكرةٍ سوداء خالجت فكري، بل هو تصوير لأحداث مرت بها غزة الأبية بقطاعها من شماله حتى جنوبه منذ ليلة الخميس الماضي الخامس عشر من نوفمبر 2012م حيث بدأت صواريخ العدوان الصهيوني المحتل الغاشم بدكّ جنبات القطاع بطائرات الاستطلاع تارة، وبالأباتشي أخرى، وكذا بـ"f 16".
وتعالت أرقام الشهداء والمصابين، حيث وصلت 1381 منهم 163 شهيداً و1222 جريحاً جلّهم من الأطفال والنساء وكبار السن.
كيف لا؟ وعدونا يحلو له ضربات البيوت فوق ساكنيها نياماً، مخترقاً بذلك كل القيم والمبادئ الدولية والبشرية، والسبب ببساطة أن أحدهم يروّج لنفسه ليفوز في مسابقةٍ حقيرة هي "الانتخابات الصهيونية" وهو ينشر المفرقعات الواهية ليلفت أنظار شعبه علّهم له يصوتون، ومن رصيده يزيدون.
وبدأت أفكر فيما يحدث، ويحلل ذهني ما يكون، فبحمد الله وتوفيقه استطاعت المقاومة من خلال تنظيم غرفة عمليات مشتركة ودكّ حصون العدو الواهية، الذي بدأ حملته بلعبة متعجرفٍ أحمق يسعى للفوز ولكنه "هذا الكيان المسخ" وقياداته فوجئوا بأنفسهم وسط نيران المسلم المؤمن بحقه في المقاومة وحقه في الدفاع عن أهله ووطنه، وبقي لا يستطيع تقهقراً ولا يملك إلا أن يستمر في لعبته السخيفة، يفقد قتلى بفعل صواريخ الحق التي أطلقها المقاومة والتي كان أبرزها وأقواها M75) وفجر 5).
ورغم تساقط قتلاهم وارتقاء شهداءنا إلا أن ما شد أزرنا وصبّر عزائمنا هو أن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، "وإنهم ليألمون كما نألم ونرجو من الله ما لا يرجون" كما بلغنا صلى الله عليه وسلم.
ويبقى صوت الحق مرتفعاً، والاعتراف الدولي بردود المقاومة وتمادي الصهاينة رغم عدم إنصافه إلا أنه شهادة لنا وتعزيز نحو الأمام، ويبقى طريق النصر وإن طال يحتاج الزاد والمعونة.
وليس أروع من صبر هذا الشعب المقدام الذي يرتقي أبناءه وهو راضٍ محتسب موقناً بحقه فيما يطلب، وحق أفراد مقاومته فيما يفعلون وقدرهم على صد عدوهم، يعلنون للعالم من بين جراحاتهم من تحت ردم المنازل أنه حق وسنناله.
"ألا إن الصبح موعدهم، ألا إن الصبح قريب"، وسيكون النصر حامل راية الحق وإن دميت جراحاته، فالانتصارات تحتاج التضحيات.
وبذلك حلّت معادلتنا الصعبة بحقيقة واقعية ونظرية واضحة، أن الله ناصر عبده ومحق وعده.