قائمة الموقع

مقال: كيف أدارت حماس المعركة عسكريا وأمنيا؟

2012-11-25T09:21:23+02:00
مؤمن بسيسو

وأخيرا.. انتصرت غزة بشعبها العظيم ومقاومتها الباسلة التي تقودها وتشكل رأس حربتها حركة حماس، وأذلت ناصية الكيان (الإسرائيلي) وجيشه الغاشم الذين أزعجوا أسماعنا عنه دهرا بأنه لا يقهر.

أولى المفاجآت المذهلة التي أذهبت عقول قادة الاحتلال وأربكت حساباتهم تمثلت في دقة الإدارة العسكرية للمعركة التي نجحت فيها حماس بكل جدارة وامتياز.

لم يكن واردا في حسابات قادة الاحتلال أن ترتقي الإدارة العسكرية لحماس إلى هذا المستوى الرفيع الذي يحاكي الإدارة المؤسسية لأي جيش نظامي قوي في العالم، وأن تتمكن حماس في غضون فترة زمنية وجيزة تقل عن أربعة سنوات من تحقيق طفرة عسكرية كبرى تجاوزت معها الثغرات التي كشفت عنها حرب "الرصاص المصبوب" على غزة نهاية عام 2008م وبداية عام 2009م.

لقد راكمت الحصيلة الاستخبارية (الإسرائيلية) معطيات كثيرة حول النشاط الواضح الذي تجترحه حماس في مختلف المجالات العسكرية، لكن الغرور (الإسرائيلي) المعروف حجب عن قادة الاحتلال إمكانية تحقق سيناريو النهضة العسكرية الشاملة لتنظيم عسكري صغير بالمقاييس العسكرية (الإسرائيلية)، أو إمكانية قيامه بالوقوف في وجه الآلة العسكرية (الإسرائيلية) المدعومة بروافد أمنية واستخبارية واسعة في يوم من الأيام.

لم تذهب تقديرات الاحتلال إلى إمكانية تحوّل مجموعات عسكرية ذات تسليح محدود إلى ما يشبه الجيش النظامي الذي تحكمه مؤسسة قوية، ويحيط به نظام أمني محكم، وتتفرع عنه دوائر عسكرية مبدعة في مختلف المجالات، استطاعت في غضون مرحلة زمنية قصيرة نسبيا في بناء منظومة عسكرية متكاملة ذات أهلية كاملة لمواجهة الاحتلال والتصدي للعدوان.

لقد كانت صدمة قادة الاحتلال مدوية حين تكسّرت مخططاتهم العسكرية على نصال غزة، وسقطت مراحل عدوانهم الواحد تلو الآخر، في ضوء تكتيكات محسوبة ومنهج مدروس وإجراءات دقيقة ابتدرتها حماس منذ نهاية حرب "الرصاص المصبوب"، ورعتها عبر جهود شاقة لم تتوقف يوما على طريق الإعداد والتدريب والاستعداد للمواجهة، وتوّجتها قبل عدة أسابيع بوحدة تنسيق ميداني مع حركة الجهاد الإسلامي، قبل أن تكتمل الدائرة بتشكيل غرفة عمليات مركزية شملت قوى المقاومة الحية وتم الإعلان عنها مع بداية العدوان.

وهكذا، حشدت حماس كافة عقولها العسكرية وشحذت قرائحها المفكرة في السياقين: العسكري والأمني، وعقدت مئات ورش العمل على امتداد أشهر طويلة حتى أنجزت خلاصات رائعة ارتكزت إلى مقاربة بالغة الدقة والأهمية استوعبت تجربة الحرب (الإسرائيلية) على لبنان عام 2006م، وتجربة الحرب على غزة عامي 2008م و2009م، فضلا عن دراسة طبيعة ومضامين السلوك العسكري (الإسرائيلي) المبثوث طيلة السنوات الماضية ضد قطاع غزة والمنطقة العربية عموما، ومجاراة المخططات العسكرية والتطور العسكري (الإسرائيلي) الذي يرشح أو يتم الكشف عنه (إسرائيليا).

ومن هنا فقد أعدت حماس خطة المواجهة العسكرية بكل دقة واقتدار، ولم تضيّع في سبيل إنجازها لحظة واحدة، وبنت في ضوئها مئات الأنفاق الحدودية والأرضية في طول وعرض قطاع غزة طيلة المرحلة الماضية، وأفنت أوقاتها في تدريب وتأهيل عناصرها وكوادرها في مختلف الميادين العسكرية، وعكفت على تطوير منظومة الصاروخية محلية الصنع بوساطة عقولها العسكرية الفذة، واستجلبت ما تستطيع من القذائف الصاروخية المتطورة والقذائف الفعالة المضادة للدبابات من طراز "كورنيت"، ناهيك عن صواريخ أرض جو المضادة للطائرات، وصواريخ أرض بحر المضادة للسفن والبارجات الحربية.    

ومع ذلك، لم تكن الإدارة العسكرية للمعركة لتتكلل بالنجاح لولا قدرة حماس على إدارة المعركة أمنيا.

لقد تجلت ملامح الإدارة الأمنية الرفيعة للمعركة في قدرة حماس على حفظ أمن عناصرها وكوادرها وقياداتها، وحفظ أمن عتادها العسكرية، ما حرم الاحتلال من المعلومات الأمنية الدقيقة التي يحتاجها لتغذية بنك أهدافه الذي تفاخر بإعداده وهدد باستهدافه قبل اندلاع العدوان، وجعل منه بنكا فارغ المحتوى وقاصرا على المواقع الحكومية والمنشآت العامة المعروفة، وهو ما اضطره للضرب العشوائي في عمق المدنيين في ظل حالة من التخبط الواسع والإرباك الكبير.

فوق ذلك، أقدمت كتائب القسام على تحصين ذاتها الأمنية عبر شبكة اتصالات خاصة، وأدارت كافة اتصالاتها وفعالياتها في سياقات المواجهة المختلفة بأمان تام، خلافا للحرب السابقة التي استغل فيها الاحتلال الكثير من الثغرات التي أرهقت كاهل المقاومة وحققت العديد من الإنجازات لصالح الاحتلال.

لذا، لم يكن مستغربا أن تصنع حماس النصر من رحم المعركة، وأن تنتزع الإنجاز من قلب الدمار، فقد أحسنت العمل والإعداد، فكانت النتيجة جزاء وفاقا ومجدا تليدا ونصرا مجيدا.

أما الإدارة السياسية والإعلامية للمعركة فلها حديث آخر بإذن الله.

اخبار ذات صلة