أبدعت المقاومة الفلسطينية في تقديم مستوى راقي وغير مسبوق من الأداء في جميع الميادين أثناء معركة "حجارة السجيل" والتي استمرت لـ 8 أيام، أربكت خلالها حسابات الاحتلال (الإسرائيلي)، وشهد برقّي أدائها العدو قبل الصديق.
وبرهنت المقاومة الفلسطينية للعالم أن غزة لن تقبل بعد اليوم أن يعتدى عليها وتبقى مكتوفة الأيدي، لا سيما في ظل الربيع العربي الذي انعكس ايجاباً بوقوف الشعوب وبعض الحكومات إلى جانب غزة خلال العدوان، وسنستعرض فيما يلي أبرز عوامل نجاح المقاومة في معركة "حجارة السجيل" في نقاط محدودة ودون استفاضة:
أولاً: الجبهة الداخلية
لقد أظهرت الجبهة الداخلية الفلسطينية في قطاع غزة تماسكاً جيداً، في ظل قصف جوي (إسرائيلي) مكثف طال البشر والشجر والحجر، وذلك بسبب التكاتف الذي ظهر بين الحكومة والمقاومة والشعب ويمكن إجمال نجاح الجبهة الداخلية في التالي:
1- تواصل رئيس الحكومة والوزراء مع المواطنين، والاطمئنان على الجرحى واستقبال الوفود.
2- تعاون المواطنين مع رجال الشرطة والدفاع المدني والإسعاف التي عملت بلا توقف أثناء قصف أي هدف، وتجاوب المواطنين مع التعليمات التي كانت تصدرها الحكومة.
3- الاحتضان المعنوي من قبل الأهالي للمقاومة وتقديم المساندة لهم من خلال تشجيعهم على المقاومة واطلاق الصواريخ بغض النظر عن الخسائر المادية.
4- توفير الحكومة لكل مستلزمات الحياة حتى في أحلك أيام العدوان، ومتابعتها للتجار والمحتكرين وتهديدهم بعقاب صارم إن تلاعبوا بالأسعار.
5- الضرب بيد من حديد على العملاء وإعدام العديد منهم أثناء العدوان، وكشف محاولاتهم تجديد بنك الأهداف وإفشالها.
6- انتشار عناصر الشرطة طوال أيام العدوان لحفظ الأمن وعدم تسجيل أي محاولات سرقة أو حالات قتل ثأرية بالرغم من منح السجناء إجازات حتى انتهاء العدوان.
ثانياً: العمل العسكري المقاوم
تمكنت المقاومة الفلسطينية من تسطير صفحات عز في تاريخ القضية الفلسطينية من خلال أدائها في الميدان، وصدت العدوان على قطاع غزة بمعركة "حجارة السجيل" لتهزم عملية "عمود السحاب" (الإسرائيلية) والتي لم تحقق أهدافها مطلقاً. ونجمل نجاح العمل العسكري فيما يلي:
1- تدارك المقاومة الفلسطينية للضربة الأولى باغتيال القائد العام لكتائب القسام "أحمد الجعبري".
2- توحيد المقاومة لصفوفها وقيامها برد مشترك على الجريمة والعدوان، ومفاجئتها للعدو من خلال الأسلحة الجديدة المتمثلة في صواريخ بعيدة المدى التي ضربت (تل أبيب) والقدس لأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية.
3- تواصل اطلاق الصواريخ من قبل المقاومة بوتيرة متصاعدة طوال أيام العدوان، بالإضافة للكثافة النارية المنسقة في وقت واحد.
4- فشل سلاح الجو (الإسرائيلي) في ضرب غالبية منصات الصواريخ ومجموعات المقاومة التي تطلقها، وذلك من خلال الإعداد المسبق والمحكم من قبل المقاومة للمعركة، والتي جعلت العدو يتخبط ولا يجد أهداف عسكرية فاعلة للمقاومة يقوم بضربها.
5- الانعقاد الدائم لقيادة الأجهزة العسكرية للمقاومة الفلسطينية لا سيما "كتائب القسام" على مدار الساعة والقيام بتوجيه المقاتلين.
6- ضرب آليات وحشودات الاحتلال على تخوم قطاع غزة، وعرقلة المقاومة لسلاحي البحرية والجو (الإسرائيلي) من خلال ضربها بالصواريخ الموجهة وهو أيضاَ لأول مرة.
7- التناغم بين القيادة العسكرية للمقاومة والقيادة السياسية وهو ما توج في النهاية بتوقيع اتفاق التهدئة بشروط المقاومة.
ثالثاُ: العمل الاعلامي المقاوم
قدم الجهاز الاعلامي للمقاومة الفلسطينية -والاعلاميون الفلسطينيون بشكل عام- عملاً بطولياً لا يقل أهمية عن عمل المقاومة العسكرية على الأرض، بل كان رافعة في تسريع نصر المقاومة الفلسطينية من خلال بث صور ومقاطع مصورة لعمليات المقاومة التي دمرت الروح المعنوية للإسرائيليين ورفعت الروح المعنوية للفلسطينيين تمثل في التالي:
1- بث مقاطع مصورة وبصورة سريعة لعمليات اطلاق الصواريخ لا سيما صواريخ (M75 المحلية) وفجر 5 التي ضربت (تل أبيب) والقدس والتي أضفت مصداقية على تصريحات المقاومة.
2- بث فواصل دعائية موجهة للإسرائيليين عملت على زيادة انهيار الروح المعنوية لهم.
3- خروج الناطق باسم كتائب القسام في مؤتمرات وتصريحات خلال أيام العدوان بصورة تعكس الروح المعنوية العالية للمقاومة وقدرتها على الاستمرار في المعركة إلى أيام طويلة.
4- إصدار بيانات عسكرية على مدار الساعة بصولات المقاومة، وبث رسائل لرفع الروحية المعنوية للجبهة الداخلية الفلسطينية، لا سيما الاعلان عن مفاجأة أو مؤتمر هام من قبل المقاومة.
5- مقاومة عمليات الاختراق الاعلامية التي تعرضت لها الاذاعات والفضائيات المحلية والعمل على استمرار بثها بل والرد عليها من خلال اختراق القنوات (الإسرائيلية).
6- إخراج تصريح للقائد العام لكتائب القسام "محمد الضيف" خلال أيام المعركة كان له الأثر الأكبر في رفع الحالة المعنوية للداخل الفلسطيني، وخلق حالة من الصدمة في صفوف العدو (الإسرائيلي).
7- تفنيد كذب الاعلام (الإسرائيلي) والناطقين باسم جيش الاحتلال من خلال بث صور لضرب القدس و(تل أبيب) واستهداف الطائرات في سماء قطاع غزة، لا سيما بعد نفي الناطق باسم الجيش (الإسرائيلي) لمفاجآت المقاومة في البداية.
8- العمل تحت الضغط وعدم مغادرة الاعلاميين لأماكنهم أو ترك معداتهم طوال أيام العدوان، وذلك بالرغم من اغتيال العديد من العاملين في اعلام المقاومة.
رابعاً: العمل السياسي المقاوم
أحدث التناغم الكبير بين القيادة السياسية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية إلى اخراج اتفاق مشرف بشروط المقاومة الفلسطينية أدخل الفرحة والسرور في نفوس الفلسطينيين أينما تواجدوا، بالإضافة إلى أحرار العالم المناصرين للقضية الفلسطينية، ونلخصه في النقاط التالية:
1- تواصل القيادة السياسية والعسكرية أثناء المعركة وقيام الأخيرة بطمأنة القيادة السياسية بالقدرة على الاستمرار لفترة طويلة بل وصناعة النصر.
2- قيام القيادة السياسية باتصالات متواصلة مع كافة الأطراف لوقف العدوان على قطاع غزة، ووقوف القيادة المصرية وبعض الدول العربية والاسلامية إلى جانب المقاومة في فرض شروطها.
3- التحام بين قيادة فصائل المقاومة الفلسطينية والذي ظهر بين حركتي حماس والجهاد الاسلامي، وتواصلهم مع المواطنين في الميدان حتى أثناء عمليات القصف.
4- تبني القيادة السياسية لشروط ومطالب المقاومة الفلسطينية من أجل وقف اطلاق الصواريخ، وخوضهم لمعركة تفاوضية من أجل انتزاع النصر، ورفضها لأي اتفاق منقوص ولا يلبي جميع شروط المقاومة.
5- عدم تسرع القيادة السياسية في قطف الثمرة، والتفاوض للمرة الثانية من موقع المنتصر – المرة الأولى كانت في صفقة وفاء الأحراء-، ورفضها للضغوطات الأوروبية والغربية لوقف اطلاق الصواريخ بأي ثمن.
خامساً: توصيات
انتهت المعركة الحالية بنصرٍ واضح، وبالتأكيد سيقف الشعب الفلسطيني ومقاومته على نقاط الضعف التي ظهرت أثناء المعركة، وذلك لتلافيها في أي مواجهة قادمة وبعض نقاط الضعف هي:
1- عدم الاتفاق على اطلاق اسم موحد على المعركة.
2- خروج الفصائل المقاومة في مؤتمرات صحفية متعددة لإعلان النصر.
3- أسلوب اعدام العملاء في الشوارع وتركهم للتمثيل بجثثهم.
4- بعض مقاطع الفيديو تظهر مشاهد لإطلاق الصواريخ قرب المنازل مما أفسح المجال للإسرائيليين لتسويقه في العالم وتبرير قصف المدنيين.
وفي نهاية معركة "حجارة السجيل" التي أطلقت في مواجهة عملية "عامود السحاب" حققت المقاومة الفلسطينية ولأول مرة نصراً واضحاً على كيان الاحتلال (الإسرائيلي) وقادته الذين اعتقدوا أن فوزهم في الانتخابات سيكون على حساب دماء الشعب الفلسطيني كما كان يحدث في كل انتخابات برلمانية (إسرائيلية).