لم يكن موقف جمهورية التشيك في الأمم المتحدة المعارض لمنح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في المنظمة الدولية مفاجئا، على الرغم من أنها الدولة الأوروبية الوحيدة التي اتخذت هذا الموقف، خصوصا وأن (إسرائيل) تعتبرها أفضل صديق لها في أوروبا.
وقبل تعرضها للاجتياح من قبل جيرانها قبيل الحرب العالمية الثانية، دعمت تلك الدولة الواقعة في وسط أوروبا والتي تضم 10.5 ملايين نسمة قيام دولة لـ(إسرائيل)، إلى جانب الولايات المتحدة حليفتها الرئيسية.
وخلال التصويت أمس الخميس، كانت جمهورية التشيك فريدة في موقفها بين بلدان أوروبا إذ انضمت إلى الولايات المتحدة و(إسرائيل) وكندا وبنما، ودول صغيرة في المحيط الهادئ مثل نارو وبالاو وميكرونيزيا، في التصويت برفض القرار الذي نال موافقة 138 دولة، بينها 14 دولة أوروبية، في حين امتنعت 41 دولة عن التصويت.
حسابات
ويعود السبب الرئيسي في هذا الموقف إلى حكومة يمين الوسط في التشيك التي نأت بنفسها عن الاتجاه الأوروبي العام حيال عدد من القضايا الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية، مفضلة أن تحذو حذو أميركا بدلاً من أن تتبع سياسات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
كما يلعب التاريخ أيضا دورا في هذا الموقف، حيث تشكر (إسرائيل) لتشيكوسلوفاكيا السابقة يدها العليا عليها في حرب فلسطين عام 1948 حينما خرقت براغ حظر تصدير السلاح -الذي فرضته الأمم المتحدة في ذلك الوقت إلى أطراف الحرب- وأرسلت أسلحة إلى الجانب الإسرائيلي تضم 80 طائرة، كما دربت الطيارين الإسرائيليين بمن فيهم عزرا وايزمان الذي أصبح رئيسا لـ(إسرائيل) فيما بعد.
لا عجب والحال كذلك أن يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته براغ في مايو/أيار الماضي "ليس لإسرائيل صديق في أوروبا أفضل من التشيك".
أما رئيس الوزراء التشيكي بيتر نيكاس فربط بين حالة (إسرائيل) وما فقدته تشيكوسلوفاكيا السابقة من أراض استولت عليها ألمانيا وبولندا والمجر في الحرب العالمية الثانية، وقال لصحيفة جروزاليم بوست الإسرائيلية "لدينا مشاعر خاصة تجاه حالة إسرائيل، تلك الدولة الصغيرة المحاطة بالأعداء".
عقد تاريخية
ويرى المراقبون أيضا في هذا الموقف الحالي الداعم لـ(إسرائيل) محاولة من براغ لتأكيد البعد عن مواقف النظام الشيوعي فترة حكمه لتشيكوسلوفاكيا السابقة حينما قطع علاقاته الدبلوماسية مع (إسرائيل) عقب حرب الأيام الستة عام 1967.
كما قدم الدعم بعد ذلك لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفتح لها الأبواب لتدريب عناصرها، ومنح الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أعلى وسام في البلاد.
ومع سقوط النظام الشيوعي عام 1990 أعادت براغ العلاقات الدبلوماسية مع (إسرائيل)، واختار الرئيس التشيكي السابق فاسلاف هافل أن تكون أول زيارة خارجية يقوم بها إلى إسرائيل.
وخلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة انضمت وزارة الخارجية التشيكية إلى الدعوة التي أطلقتها بقية الدول الأوروبية لوقف العنف، لكن براغ أكدت "الاعتراف بحق إسرائيل الكامل في الدفاع عن نفسها ضد الصواريخ التي تطلقها المنظمات المسلحة في قطاع غزة".
تبرير
وفي شرحها لموقفها الرافض لنيل فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، قالت وزارة الخارجية التشيكية أمس إن جمهورية التشيك صوتت بالرفض "خشية أن يتسبب ذلك في المزيد من تأجيل محادثات السلام"، مضيفة أن "حل الدولتين ممكن فقط من خلال المفاوضات المباشرة".
أما المعارضة التشيكية ممثلة في الحزب الديمقراطي الاجتماعي فتذهب إلى ضرورة حذو الاتجاه الأوروبي العام، وترى في التصويت ضد منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو بالأمم المتحدة سيتسبب في عزلة التشيك.
وقال نائب رئيس الحزب ليوبومار زاورالك إن الحزب لا يسمح مطلقا بالبعد عن المقاربة المتوازنة من السياسة الأوروبية، معتبرا التصويت بالرفض "خطأ يظهر أن البلاد تسيير في طريقها الخاص غير عابئة بالسياسة الأوروبية".
المصدر: رويترز