الواقف على الدمار الموجود يتوقع أن زلزالاً قد دكَّ المكان، فحجم الخسائر يقدر بـ85%، "الرسالة" وقفت على أنقاض مرئية الأقصى المحلية - التي استهدفت طائرات العدو مقرها بأربعة صواريخ في الحرب الأخيرة "حجارة السجيل" - تتساءل: ما الذي جعل الصوت الحر والصورة الحية هدفاً للحاقد؟ تجري الإجابة على لسان سائد رضوان -مدير مرئية الأقصى- الذي قال إن الصوت والصورة بمجهود جنود الميدان كانت أقوى من صواريخ العدو، وأشد سطوةً من أسلحته العاتية.
وبين أن صدقها في نقل صور المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل أدى بهم إلى استهداف مصوريها بشكل مباشر واستهداف سيارتهم التي كانت تعتليها إشارة الـT.V Press ليرتقي حسام سلامة ومحمود الكومي شهداء الصورة ونقل الحقيقة.
واستدرك قائلاً: إنها كانت ملاذاً للعدو يستقي منه أخباره وأنباءه ويحلل ما يبث على شاشات هذه الشبكة الإعلامية كلمة بكلمة، بل لقد دخلت "الأقصى" بيت عدونا رغماً عنه.
تجربة بلون استثنائي!
الصحفي راجي الهمص – مذيع ومقدم برامج في فضائية الأقصى- قال إن تجربتهم في معركة "حجارة السجيل" كانت حرباً إعلامية بالدرجة الأولى بدأت باستهداف الرأس الكبير للمقاومة أحمد الجعبري، مبيناً أنهم من تلك اللحظة أحسوا بحجم المسئولية التي ألقت على عاتقهم كإعلاميين.
وذكر الهمص أن وضع الحرب الأخيرة كان استثنائياً، مبيناً أنهم في الشبكة تجهزوا منذ اليوم الأول للانطلاق والبث بصوت المقاومة والحق، واضعين أمام أعينهم محددات لبناء العمل عليها كان أبرزها تعزيز الصمود والحديث عن كل ما من شأنه رفع همة المواطن وبناء ثقته بالمقاومة.
ونظراً لمتابعة العدو الصهيوني لقناة الأقصى لحظة بلحظة، حرصوا على انتقاء الكلمات القوية التي من شأنها صنع الأمل رغم الألم وتعزيز فكرة أن الانتصار هو حليف المقاومة.
مناظرة مع العدو
وفيما يخص الشأن الصهيوني، اتبعت فضائية الأقصى تخصيص برنامج مع (إسرائيل) المباشرة على الهواء، كان كل من يونس أبو جراد وإسلام بدر بمساعدة أسير محرر خبير في الشئون (الإسرائيلية) يبدؤون بعرض وتحليل ما تقوله القناة (الإسرائيلية) في ذات الوقت, وعلى الاتجاه الآخر يترجم المذيع (الإسرائيلي) أن الفضائية تتحدث عنهم وتستمر التعليقات والتحليلات بينهم على مرأى الشعب (الإسرائيلي) والفلسطيني، كتحدٍ لهم.
وقال كل من بدر وأبو جراد أنهم من خلال برنامجهم هذا استطاعوا إظهار مدى كذب العدو على المواطن الفلسطيني وكيف أنهم يعانون الأمرين ويحاولون قلب الحقائق لجمهورهم من أجل رفع معنوياتهم المنهارة بفعل ضربات المقاومة.
وأوضح أنهم – كإعلاميين - كانوا في مشهد القتال بالكلمة على جبهةِ الإعلام المقاوم بالروح القتالية العالية.
ولأن الصورة بألف كلمة، كان دور قسم التصوير الخارجي والداخلي ملحوظاً خلال الحرب الأخيرة حجارة السجيل، فمدير التصوير الخارجي (زياد المقيد) قال إنه مع أول لحظة التصعيد استنفر جميع الشباب المصورين ووزعهم في جميع مناطق القطاع، "تحديداً المناطق التي من المتوقع أن تكون أكثر الأماكن سخونة".
وبجانب طاقم التصوير الخارجي، حرك (محمد خليفة) –مدير التصوير الداخلي- المصورين الداخليين في الميدان لإعلان حالة الطوارئ؛ حتى يستطيعوا تغطية الأحداث بشكل كامل، واضعاً على عاتقه العمل داخل الاستيديو طوال فترة الحرب التي استمرت ثمانية أيام متتالية.
الصوت المقاوم
في إذاعة صوت الأقصى، "الصوت المقاوم" –كما أسماه محمد مشمش –مدير البرامج- الذي أكد على أنهم ارتؤوا لأنفسهم حمل رسالة إعلامية كجزء من حالة المقاومة في الشارع الفلسطيني بعيداً عن أي نوع من الحيادية، تسهم في توفير حالة من الثقافة الجهادية لدى الشارع.
وكون استهداف الإذاعة في سنوات مضت وسير العدو نحو استهداف الإعلام المقاوم، أدى ذلك لتنقلهم بين عدة مقرات للبث من باب الأخذ بالأسباب و"أقل الضررين".
وعن تحضيراتهم المسبقة، كان طاقم الإذاعة بكل مدرائه قد عقد اجتماعاً قبل الحرب بيوم يشرح فيه آلية العمل في وقت الأزمات، الأمر الذي جعلهم متهيئين للخروج والبث بصورة عادية جداً من مكان آخر.
أحمد زغبر –رئيس قسم المذيعين- ركّز على أنهم اتخذوا منحى بث الروح المعنوية العالية لدى أبناء الشعب الفلسطيني ونقل الصورة واضحة بمساعدة وسائل الشبكة المختلفة عن طريق الأخبار العاجلة بواسطة وكالة شهاب، ونقل الصورة على شاشات الفضائية التي استهدفت اثنين من مصوريها والمرئية التي تعرضت للقصف المباشر هي الأخرى.
وبخصوص المفاجآت التي أذهلت بها المقاومة العدو الصهيوني وأبناء شعبها الفلسطيني بوصول صواريخها (تل أبيب)، قال زغبر: "بعيداً عن الخسائر التي وقعت في صفوف المدنيين لكن نقل صورة المقاومة من تحدٍ واختراق الحصون و(القبة الورقية) التي ادّعوها رفعت من همم أبناء شعبنا".
وقال: "كنت وقتها على الهواء فانطلقت أكبر وخيلت للمستمع أن موعد فتح القدس قد اقترب (...)، ورغم صعوبة الموقف إلا أن مثل هذه الأخبار كانت تضفي جو الأمل.
ولفت زغبر أنهم تداولوا فيما بينهم مصطلحات خاصة كان المقصود منها زعزعة قلوب العدو وتخويفهم، والشد من أزر المقاومة كـ"القبة الورقية" وغيرها.
أيمن دلول –رئيس قسم المراسلين في إذاعة الأقصى- ذكر أنه من المهم أن يكون لدى المراسل معرفة في كيفية التعامل مع الأحداث الحربية، لكن ما يميز الفلسطيني عن غيره أن الطفل أصبح يفرق بين صواريخ المقاومة عن صواريخ العدو وأنواعها، "بالتالي كثرة الأحداث تجعل من هذا الإنسان قادر على التكيف مع مثل هذه الأجواء والتعامل معها بالخبرة والممارسة ".
مصدراً للكثير!
وكالة شهاب للأنباء التابعة لشبكة الأقصى تعاملت مع وسائل إعلامية أخرى؛ بسبب مكانهم العالي في برج فلسطين الذي يسهل عليهم معرفة أماكن القصف وإظهاره على الشاشة مباشرة.
(حسام الزايغ) –مدير التحرير في الوكالة- بين أنه بالرغم من خطورة مكانهم إلا أن العديد من القنوات الفضائية اتخذت من مقرهم مكاناً للبث المباشر.
ورغم استمرارية العمل طوال أيام الحرب الثمانية، إلا أن هناك بعض المشاكل واجهتهم في الموقع الإلكتروني الذي تعرض للاختراق عدة مرات، وتوقف غيرها، ولكن بجهود الشباب العاملين –وفق الزايغ- استطاعوا التغلب على ذلك.
وبين الزايغ أن الأولوية في التعامل مع الأخبار العاجلة كانت في إنجازات المقاومة وجرائم العدو وبيان فشله في تحقيق أهدافه، والمواقف التي وقفها معنا من هم من خارج فلسطين، مع الحرص على الابتعاد كل البعد عن الأخبار التي من شأنها إحباط الناس ودب الرعب في قلوبهم.
ووجهت شبكة الأقصى على لسان موظفيها كلمتهم للإعلاميين أنهم على ثغر من ثغور الوطن, والمعركة ليست عسكرية فحسب إنما هي معركة إعلامية نفسية.