القدس – خاص الرسالة نت
حينما يدور الحديث عن المسجد الأقصى المبارك فإن أبرز الوجوه التي تطفو على سطح الذاكرة هو ذاك الشيخ الخمسيني بلباسه المتواضع، رائد صلاح ابن مدينة أم الفحم شمال فلسطين المحتلة، ورئيس الحركة الإسلامية داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
لم تكن مواقف الشيخ صلاح المناصرة للمدينة المقدسة ومسجدها السليب تؤثر إيجاباً في نفوس أبناء فلسطين والأمتين العربية والإسلامية فحسب، بل كان لها تأثير سلبي على دولة الاحتلال التي باتت تعتبره هدفها الأول ضمن فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، كيف لا وهو يقود حملة تهدد مخططاتها الرامية إلى تهويد القدس المحتلة وهدم المسجد الأقصى المبارك؟
بداية النصرة
ولا شك أن أول احتكاك مباشر بين الشيخ صلاح والاحتلال كان عام 1981 حين اعتقله الأخير بتهمة الارتباط مع منظمة محظورة وفق أجندته تسمى "أسرة الجهاد"، ثم أفرج عنه بعد عملية تبادل الأسرى بين الجبهة الشعبية – القيادة العامة وسلطات الاحتلال، وما إن تحرر من قيده حتى فُرضت عليه الإقامة الجبرية.
ولم تغب نصرة القدس وفلسطين عن ذهن الشيخ طوال تلك الفترة، فبدأ بمشروعه هذا من مدينته أم الفحم التي ترأس بلديتها عدة مرات بنسبة انتخاب تفوق 70% في كل مرة، وبقي يشحذ نفوس الشباب ويعلّق قلوبهم بقضيتهم حتى استقال من رئاسة البلدية عام 2001 متفرغاً لهمه الرئيسي، فأصبح رئيسا لمؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، وهي التي بدأت بتحدي الاحتلال في المدينة المقدسة بإعمار الأماكن الدينية التي حوّلها الأخير إلى حظائر.
وبعد ذلك تعاظم نشاط صلاح في إعمار المسجد الأقصى المبارك وبقية المقدسات، حيث نجح مع إخوانه في إعمار المصلى المرواني داخل الحرم القدسي الشريف وفتح بواباته العملاقة، ومن ثم إعمار المسجد الأقصى القديم وتنظيف ساحاته وإضاءتها، وإنشاء دورات المياه ووحدات الوضوء في باب حطة والأسباط وفيصل والمجلس، وعمل على إحياء دروس المصاطب التاريخية وأبرزها "درس الثلاثاء" الذي يحضره نحو خمسة آلاف مسلم أسبوعيا في رحاب مسرى رسول الله عليه السلام.
ولم يكتف شيخ الأقصى بذلك، بل ساهم في إنشاء مشروع صندوق طفل الأقصى الذي يهتم برعاية نحو 16 ألف طفل، وتنظيم المسابقة العالمية "بيت المقدس في خطر" التي تُنظم في شهر رمضان المبارك من كل عام بمشاركة عشرات الآلاف من سكان العالم، إضافة إلى مسابقة الأقصى العلمية الثقافية، وساعد الشيخ صلاح في إصدار عدة أفلام وثائقية وكُتبٍ عن المسجد الأقصى المبارك، مثل "دليل أولى القبلتين" وشريط "الأقصى المبارك تحت الحصار" وشريط "المرابطون".
إرهاب!
تعاظم دور الشيخ صلاح في حماية المسجد الأقصى من مخططات الاحتلال التهويدية، حيث أفشل محاولات إفراغه من المسلمين عبر تسيير ما يسمى بمشروع مسيرة البيارق الذي ينقل عشرات الآلاف من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 عبر حافلات مجانية إلى المسجد، إضافة إلى إقامة مهرجان "الأقصى في خطر" سنويا والذي يحضره قرابة 60 ألف فلسطيني يجددون عهدهم تجاه أقصاهم.
وبعد تنظيم الحركة الإسلامية لمهرجان صندوق الأقصى في آب عام 2002 بدأت سلطات الاحتلال باستشعار خطر الشيخ صلاح على سياستها العنصرية، فشنت عليه حملة رسمية من قبل أذرعها المختلفة والإعلام، واتهمته بالإرهاب وتهديد أمن الدولة!، وعرّضته للتحقيق عدة مرات ومنعته من السفر خارج فلسطين المحتلة، كما منعته من دخول المدارس الثانوية والجامعات لإلقاء المحاضرات في المناسبات العامة.
ولابد من الإشارة إلى أن الشيخ صلاح كان على رأس المواجهات مع الاحتلال في بداية انتفاضة الأقصى، حيث كان يحشد الفلسطينيون ويحثهم على حماية مسجدهم من اقتحامات الاحتلال المتكررة له، إلى أن تعرض لمحاولة اغتيال بإصابته برصاصة في رأسه، ولكنه تعافى وعاد ليتحدى ظلمهم.
ولم تقف تلك الحملة عند ذاك الحد، ففي ليلة الثالث عشر من أيار لعام 2003 اقتحم أكثر من ألف عنصر من جيش الاحتلال مستشفى الخضيرة التي كان يرقد فيها والد الشيخ صلاح محتضراً، فاعتقلوا الشيخ و13 قيادياً في الحركة الإسلامية، وبدأت محاكمته تحت حجة "تمويل حركة حماس وتقديم الدعم لها"، ثم أفرج عنه في منتصف عام 2005 بعد فشل ادعاء الاحتلال في تثبيت تهمة "تبييض الأموال لحركة حماس".
وعاد الشيخ لكشف مخططات الاحتلال التهويدية في المدينة المقدسة، وبدأت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" التابعة للحركة الإسلامية بفضح قيام الاحتلال بحفر شبكة أنفاق تحت المسجد الأقصى في محاولة لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، وتواصل الحركة جهودها حتى اليوم في كشف الحفريات ومحاولات التهويد.
محاولة أخرى
وفي السابع من شباط عام 2007 حاولت سلطات الاحتلال هدم جزء من منطقة باب المغاربة – أحد أبواب المسجد الأقصى- بحجة القيام بإصلاحات، مما دعا الشيخ صلاح إلى التظاهر احتجاجاً على ذلك مع عدد من الفلسطينيين، فأفرغ الاحتلال حقده الدفين عليه وبدأ بسلسلة محاكمات طويلة له بتلفيق تهمة الاعتداء على أحد عناصر الشرطة.
ومنذ ذلك اليوم بدأ الاحتلال يصدر ما تسمى بالأوامر القضائية ضد رئيس الحركة الاسلامية تحرمه من دخول المسجد الأقصى تارة ومدينة القدس بأكملها تارة أخرى لمدة معينة، حتى وصل به الأمر إلى منعه من دخول المدينة لمدة ستة أشهر، وأخيرا وربما ليس بآخر الحكم بسجنه لتسعة أشهر ابتداء من 28 شباط القادم لإبعاده عن الأقصى السليب ومحاولات نهشه.
ولكن الشيخ صلاح بابتسامته المتواضعة لم يكن ليترك أمر مسجده ضحية أنياب الاحتلال، فهو على يقين بأن السنين التي دافع فيها عن أقصاه ولّدت تعلقاً عميقاً لدى كل فلسطيني، وما زال واثقاً بأن هناك من سيحمل الأمانة عن كاهله إلى أن تطل الحرية من جديد.
التفاف واسع
ولا شك أن محاكمة الشيخ رائد صلاح الأخيرة والحكم عليه بالسجن لمدة تسعة أشهر أظهرت مدى الالتفاف الجماهيري الواسع الذي يحظى به، حيث أعربت العديد من المؤسسات والشخصيات والمراكز والمنظمات العربية والإسلامية والدينية عن تضامنها مع الشيخ ورفضها لمحاولات إقصائه عن قضيته.
وفي هذا السياق اعتبر النائب العربي في الكنيست الصهيوني جمال زحالقة أن محاكمة الشيخ صلاح تأتي في إطار الانتقام السياسي منه بسبب نشاطه دفاعاً عن الأقصى، معتبراً أن الحملة التي تعرض لها تأتي على خلفية فشل سياسة الاحتواء والإخفاق في إيقاف المد الوطني لدى الفلسطينيين.
ورأى زحالقة في حديث مع "الرسالة" أن القرار ضد الشيخ صلاح هو قرار ضد كل فلسطيني، لأن القضية التي حوكم عليها هي إجماع وطني لدى فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 وعام 1967.
وأكد زحالقة على أن محاكمة الشيخ صلاح تشكل جزءاً من ملاحقة سياسية عامة لفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، موضحاً أن قيادات عدة من الفلسطينيين تتعرض لمضايقات الاحتلال ومحاكماته وتهديداته.
وأضاف:" عليهم أن يعرفوا أننا لن نتراجع عن مواقفنا وحقوقنا وأن عليهم هم أن يعيدوا حساباتهم، أما إن استمروا بسياستهم فنحن سندافع عن بيوتنا وحقوقنا ومواطنينا وقدسنا وأقصانا".