مع ارتفاع وتيرة عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة منذ معركة سيف القدس، بات الاحتلال يستشعر خطر تصاعد المقاومة ويزيد وتيرة اقتحاماته اليومية وعمليات الاعتقال، إلى جانب الاغتيالات التي تشهدها مدن الضفة بشكل شبه يومي.
الحدث المفصلي كان اغتيال قوات الاحتلال لخمسة مقاومين فجر الأحد الماضي في مدينتي جنين والقدس، وإصابة ضابط وجندي من وحدة دوفدوفان الخاصة بجراح وصفت بالخطيرة، ما شكل إضافة نوعية لطبيعة العمليات.
تجري التحولات المهمة التي تشهدها ساحة الضفة بينما تستمر السلطة الفلسطينية في صمتها الرسمي حيال هذه الأحداث التي تنذر بانفجار الوضع، كما لا تزال أجهزة أمن السلطة تؤدي نفس الدور الأمني الذي تتقنه منذ العام 1993، ولا تُحرك ساكناً أمام اعتداءات وتطرّف قوات الاحتلال.
في السابق كان يترافق هجوم الاحتلال مع تساؤلات تدور بين المواطنين حول دور الأجهزة الأمنية ولماذا تتقاعس عن أداء دورها المفترض في حماية أمن المواطن الفلسطيني؟ لكن مؤخراً بدت الصورة أكثر وضوحاً وبات الجميع يدرك أن أمن السلطة هو جزء من المنظومة الأمنية التابعة للاحتلال يؤدي دوره الأمني الوظيفي بما يخدم أمن المحتل وجنوده ومستوطنيه، بينما يلتزم مقراته ويصمت إزاء أي عدوان على المواطن الفلسطيني.
لا يمكن إغفال دور اتفاق أوسلو وسياسة رئيس السلطة محمود عباس كسببين مباشرين في انحراف دور أجهزة أمن السلطة، والبقاء على شاكلتها الحالية في خدمة أمن "إسرائيل" وتسهيل تحركات جيشها بشكل أساسي.
وأفضت سياسة عباس المتمسكة بأوسلو إلى دور خطير ومشبوه تؤديه أجهزته الأمنية، والتي باتت تصب في مصلحة "إسرائيل" وأمنها، بعيداً عن مصلحة المواطنين وأمنهم.
وما يجري بالضفة الغربية بشكل يومي من انتهاكات متكررة ومتعمّدة من قوات الاحتلال، التي استباحت المدن والقوى والبيوت وحتى المؤسسات التابعة للسلطة، دون أي رد من أجهزة الأمن الفلسطينية، يؤكد أنها مجرد أداة في يد الاحتلال.
ولم يعد دور السلطة يتوقف عند منح الاحتلال الحرية الكاملة في استباحة مدن الضفة والتحرك بحرية بل أصبحت تلك الأجهزة أداة للاعتداء على المواطنين واعتقالهم وملاحقتهم، خدمة لمخططات الاحتلال في التضييق على السكان.
هذه السياسة تفسر حالة الصمت المريب للسلطة خلال الأحداث الكبيرة التي تشهدها الضفة، خاصة مع عمليات الاغتيال للمقاومين والإعدامات الميدانية للمواطنين رجالاً ونساءً وأطفالاً، دون أن تصدر حتى بيانات استنكار لجرائم الاحتلال.
وترى السلطة في إجراءات الاحتلال والعمليات التي ينفذها لوأد أي محاولات للمقاومة مصلحة مشتركة، لأنها تعتقد أن صعود المقاومة في الضفة سيقضي على مشروعها الذي بات مرتبطا ارتباطا وجوديا بوظيفتها الأمنية.
كما تخشى السلطة من تصاعد عمليات المقاومة كما الاحتلال وترى فيها تهديدا خطيرا، لذا لا تصمت فقط على جرائم المحتل بل وتقدم له كل الدعم المعلوماتي والاستخباراتي الذي يسهل مهامه في كشف خلايا المقاومة والقضاء عليها.
إمداد الاحتلال بالمعلومات سياسة لا يخجل منها عباس بل صرح سابقاً إنه "يلتقي شهرياً برئيس (الشاباك) ويتفق معه بنسبة 99%، كما أنه أمر قادة الأجهزة الأمنية بالالتقاء يومياً بقادة جيش الاحتلال والمخابرات لتعزيز التعاون الأمني".
ومع اشتداد اعتداءات قوات الاحتلال على المواطنين بشكل فج، حاول بعض الأفراد من القوات الأمنية مواجهة الجيش الإسرائيلي، أو حتى إطلاق النار عليه، إلا أن السلطة عاقبتهم ووضعتهم في السجون، الأمر الذي أوضح العقلية الأمنية المعقّدة التي تتعامل بها السلطة مع الاحتلال، وتتفق معه فيها ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته".
ومن الواضح أن دور أجهزة أمن السلطة قد تغيّر تماماً خلال السنوات الأخيرة؛ بسبب التنسيق الأمني، ولم يبق لخدمة المواطنين أو حمايتهم، بل لتسهيل عمليات الاحتلال في ملاحقتهم واعتقالهم واستباحة منازلهم، وتقديم المعلومات الأمنية والحساسة لهم، كدور مكمل وشراكة جدية مع الاحتلال.
ويتعمد عباس التصريح بدوره الأمني ويتباهى بقدرته على جلب المعلومات التي من الصعب أن يحصل عليها الاحتلال دون التنسيق الأمني كما قال خلال اجتماع لرؤساء الخارجية العرب في فبراير 2020.