غزة/ أمينة زيارة
استنكاف موظفي القطاع الحكومي أفرز واقعا اجتماعيا مختلفا، تبادل فيه الأب والأم أدوارهما فغياب الأم في العمل وبقاء الأب في البيت جعل منه ملاذا للأبناء، جعل حنان الأب التعويض الوحيد لحنان واهتمام "ست الحبايب".
الرجل أصبح أكثر حناناً واهتماماً بأسرته من المرأة، التي انشغلت بعملها وتحقيق طموحاتها، فهل نحن أمام تحول حقيقي جعل أمهات خيرن بين العمل وتربية الأبناء فاخترن العمل وتركن الأبناء لآبائهم أو في "الحضانة"؟
وهل يمكن أن يجد الأبناء في حنان الأب أو "حنان الحاضنة" بديلاً عن حنان الأم؟"
الرسالة" تستطلع آراء المختصين حول هذا الواقع الاجتماعي الجديد، وتحاول من خلالهم الإجابة على التساؤلات المطروحة.
أطفال غرباء
يمكث الطفلان "محمد وأحمد" ما يقارب ست ساعات مع أبيهم في البيت بسبب انشغال الأم في وظيفة التدريس، "الرسالة" لاحظت انطواء الطفلين وعدم تقبلهما لأبناء الجيران وخوفهما من الغرباء والصراخ الدائم.
وعزا "إسماعيل" والد الطفلين ذلك إلى غياب الأم عنهم، وأكد أن الغياب طوال هذه المدة أثر على حياتهما فهما يفتقدان عاطفة الأمومة وحنانها حتى حين عودتها فإنها تدخل للنوم ولا تسمع لشكوى هذا أو تفرح لدرجات ذاك.
وجه الزوج اللوم مباشرة لزوجته بأنها سبب هذه السلوكيات الخاطئة، فردت عليه بعصبية: أنا لا اقصر في احتياجاتهم وتلبية طلباتهم، فألبسهم أجمل الملابس وأفضل الأطعمة.
وصرخ الزوج: هم لا يريدون الملابس والأكل يريدون حضنك وعاطفة الأمومة التي غابت عنهم لسنوات.
ويعترف الأب بأنه لا يمكن أن يكون البديل قائلاً: الذي أعوضه إياه لا يسد ولو ثغرة في مدى احتياجهم لك.
وباستمرار الجدل بين الزوجين وفي خضم هذا المعارك اليومية ضاع حق الأبناء بين صراخ الأم وتذمر الأب.
أمهات غائبات
فيما يسرد "محمود عيد" قصته مع أطفاله فيقول: زوجتي لديها طموح كبير، فيومها موزع على العمل في الصباح والجامعة لدراسة الماجستير في المساء فما أن تعود إلى البيت حتى تكون مرهقة وتدخل للنوم وأطفالنا يتيهون في خضم معركة الحياة التي تخوضها بنفسها دون النظر لنتائجها.
أما "أم باسل" فتقول: حصلت على بعثة للحصول على الماجستير في إحدى البلاد العربية وعندما خرجت تركت أبنائي لدى والدهم والذي شعر هو بطول الفترة فتزوج بثانية وتركهم، أما أبنائي فقد ضاعوا أحدهم اتهم بسرقة، والآخر التحق بمسيرة رفقاء السوء وثالث ابتعد عن المسجد الذي تعلق به منذ صغره.
وتضيف: حاولت تحسين سلوكهم عقب عودتي إلا أنني فوجئت بإغلاق قلوبهم وعقولهم لي باتهامهم أنني قصرت فيهم وتركتهم لتحقيق أحلامي، وتوجه رسالة بندم إلى كل أم بألا تطغى أحلامها على أسرتها وأبنائهم، فإذا لم تكن هناك حاجة لعملها فعليها أن تجلس إلى جوار أبنائها وتسمع لشكواهم وتسهر على راحتهم مؤكدة أنها هذا سيغنيها عن أن تعض أصابع الندم ولكن بعد فوات الأوان.
حرمان عاطفي
وتقول الأخصائية النفسية أ. عطاف العبسي أن عمل المرأة لا يبرر ابتعادها عن أطفالها وحرمانهم من عاطفة الأمومة، فالأم والأب هما أساس تكوين الأسرة السعيدة لذا تكون حاجة الأبناء للام أكثر من حاجتهم للأب خاصة في مرحلة الطفولة حيث تقوم بالاعتناء بأطفالها خاصة في المأكل والملبس والتربية السليمة فهي الأقرب لأبنائها ومعرفة سلوكياتهم وانفعالياتهم.
وتضيف: عندما تعمل الأم وتغيب عن البيت مدة طويلة فهذا يسبب مشكلة عند الأطفال لأنهم يكونوا بحاجة لها فأن استطاع الأب أن يقوم بإطعام الأطفال وتغيير ملابسهم وترتيب البيت فإنه لا يستطيع أن يقوم بتعويض الحنان وعاطفة الأمومة.
وتؤكد العبسي أن بعض الأمهات يبتعدن كثيراً عن أبنائهن بحجة العمل وإيجاد لقمة العيش وتوفير حياة كريمة لهم. وتضيف أن المرأة العاملة تعود مرهقة ذهنياً وجسدياً وليس لديها القدرة على التواصل مع أبنائها ولا تسمع لشكواهم مما يؤدي مع مرور الأيام إلى وجود فجوة بينها وبينهم وجفاف عاطفي شديد لدى الأبناء، مما يدفعهم إلى اللجوء للأب وهذا الأمر يتولد من احتكاكهم اليومي به طيلة غياب الأم.
وتتابع: غياب الأم يشعرهم بالحرمان الشديد وتصبح لديهم أزمات نفسية يختزنها العقل الباطن وتظهر في فترات لا يستطيع الطفل السيطرة على أعصابه وهذه المشكلات تترسخ في داخله وتبقى معه طول العمر حتى عندما يصبح رجلاً تكون لديه عقدة الحرمان.
تعويض النقص
وعن تأثير غياب الأم عن الطفل المراهق توضح العبسي أن الحرمان العاطفي من يؤدي بالمراهقين طلب تعويض النقص بالانضمام إلى أصدقاء السوء ومتابعة الانترنت والأفلام الهابطة وذلك في ظل غياب الرقابة والمتابعة الأبوية.
وتنوه إلى أن كثيرا من النساء يعلم بمشكلة أبنائهم بعدما تظهر النتائج الوخيمة لسلوكياتهم ولا تستطيع السيطرة عليها ولا حلها.
وتشير إلى أن غياب الأم يشعر الأبناء بعدم الاستقرار مما يجعله عنيداً وفظاً ودائم الصراخ ولا يسمع لكلام أبويه ويكون سيء المزاج وهذا يعتبر ردة فعل عن حرمانه من الأم لفترة طويلة.
وعن كيفية تواصل الأمهات مع أبنائهم أثناء العمل تنصح العبسي الأمهات اللواتي يغبن عن البيت لفترات طويلة بإجراء مكالمة هاتفية كل ساعتين أثناء عملها للاطمئنان عليهم وإشعارهم بالحنان ووجودها معهم بصوتها إذا غاب جسدها فتطمئن على دراستهم ومأكلهم وأنهم بخير فهي تقوم بهذه المكالمات للتعبير عن عواطفها اتجاههم ومدى حبها لهم باستخدام ألفاظ جميلة محببة للطفل، وتواصل: فلا تتوقف الأم عند المكالمات الهاتفية فحسب وعند عودتها للبيت عليها أن تحتضنهم وتسمع لشكواهم وتحلها، وهي تعود من العمل مرهقة لذا يجب أن تأخذ الإذن منهم للدخول للراحة ساعة ومن ثم تعود لأطفالها وتعوضهم غيابها عن البيت.
وتشير إلى أن الزوج في ظل غياب زوجته بشعر بالحرمان العاطفي كأطفاله لفقدانها لفترات طويلة فيلجأ لتعويض النقص من خلال مشاهدة التلفاز أو الإدمان على الانترنت والسهر خارج البيت لساعات متأخرة من الليل ويمكن أن تدفعه لأن يفكر في زوجة ثانية.
وتؤكد العبسي انه إذا لم يكن هناك حاجة ماسة لعمل المرأة وغيابها عن البيت فمن الأفضل وجودها داخل الأسرة لأن أعظم رسالة تؤديها هي الاهتمام بأطفالها وتربيتهم تربية صالحة، داعية الأمهات بضرورة التواصل مع الأبناء وعدم الابتعاد عنهم لتجنب آثار نفسية سيئة هم في غنى عنها.