بقلم: د. محمد عطية عبد الرحيم
منذ ما يزيد عن الستين عاما والفلسطيني يعاني الظلم والبطش والتشريد والإهانة على يد المحتل الصهيوني وحلفائه من الصليبين دون أن يئن أو يشتكي برغم الألم والحسرة والقسوة. أثناء هذه الفترة قبض الفلسطيني على الجمر وظل يدفع ضريبة الدم والمعاناة, فضحى بنفسه وماله وولده اعتقادا منه بأنه يدافع عن إسلامه وعروبته ونفسه. فالفلسطيني خط الدفاع الأول عن العالم العربي والإسلامي.
لكن في الآونة الأخيرة تعرض الفلسطيني لنوع آخر من الظلم والخنق على يد أبناء جلدته من العرب والمسلمين في بلدان شتى نتيجة تحالف قوى في هذه الدول مصلحيا مع "إسرائيل" وحليفتها أمريكيا, الظلم هذه المرة كان له طعم مرارة العلقم لأنه جاء ممن يفترض منهم النصرة وإن لم يستطيعوا فيكفي منه ألا يشاركوا في ظلم واضطهاد الفلسطيني.
ولكي نسرد أمثلة على ذلك - وهي كثيرة لا يمكن حصرها -, نطرح القضية الأخيرة وهي قضية الجدار الفولاذي الذي تبينه مصر على حدود قطاع غزة, هذا الجدار لا يستهدف مطلقاً حماية أمن مصر؛ فغزة بقضها وقضيضها, فاجرها وبرها, صغيرها وكبيرها, عالمها وجاهلها, لو اجتمعوا على قلب رجل واحد وقرروا إيذاء مصر فلن يستطيعوا فعل شيء, لأنهم سيتوهون في أول الطريق إلى سيناء والتي تبعد أول مدينة مصرية مزدحمة بالسكان عنها مئات الكيلو مترات, وهذا يدفع الفلسطيني للتساؤل لماذا لم تبني مصر جداراً فولاذيا بينها وبين دولة الاحتلال التي تمتلك أسلحة نووية؟ ولماذا لم تبني دولة الاحتلال هذا الجدار بينها وبين قطاع غزة بالرغم من عمليات الفلسطينيين المتكررة ضد دولة الاحتلال؟
هناك مثل آخر: فالفلسطيني يعاني الأمرين على حدود مصر الشقيقة أثناء سفره, وكثيرا ما مات المرضى على الحدود المصرية الفلسطينية ذاهبين للعلاج أو عائدين منه, وكذلك منع القوافل المتضامنة والمساعدات الإنسانية من دخول قطاع غزة, وأخرها كان منع الوفود الأجنبية وجهات التحقيق من الدخول لغزة, وهذا هو وفد البرلمانين الأوربيين الذين انتظر خمسين يوم لكي يسمح له بالدخول, كذلك منعت مصر الوفد الأوربي المكون من 1400 متضامن أوربي من الوصول لغزة وسمحت فقط ل84 منهم فقط, هل هذه عظمة مصر التاريخية الإسلامية العربية؟
ولا ينسى الفلسطيني بأنه لا يسمح له بدخول مصر أثناء توجهه للدول الأخرى "عربية ودولية", بل يصاحبهم الأمن المصري إلى المطار فيمكثوا ما شاء الله لهم أن يمكثوا حتى تأتي الطائرة لنقلهم إلى جهات وصولهم دون أن يسمح لهم بالنزول للطعام أو استخدام المراحيض, وأما الفلسطيني القادم من الخارج فيسحب من مطار القاهرة الدولي إلى معبر رفح البري ويمكث هناك أياما طويلة ليسمح لهم بالدخول بعد أن يذلهم الأمن المصري, لا لذنب بل لأنهم فلسطينيون, وقد لا يدخلوا أحيانا إلا بدفع الرشوة لضباط الأمن المصري.
كل هذا الألم والحسرة يشعر الفلسطيني بالغضب ويدفعه ليسأل لماذا يحدث له كل هذا؟ لماذا وهو يحب مصر وتراث مصر وتاريخ مصر ويكره من يكره مصر؟, وتزداد حسرة الفلسطيني وقهره حينما يرى أن الإسرائيلي المحتل حينما يدخل مصر يدخلها معززا مكرما لا ينزل من حافلته, بل يصعد لهم الضابط المصري بذلة ويجمع جوازات سفرهم ويضع سمة الدخول إلى مصر عليها فلا يستغرق الأمر وقتا, ويحظي المحتل بالاحترام والتقدير. ناهيك أن مصر تتاجر مع دولة الاحتلال وتبيع لها ما طاب للمحتل أن يشتريه بأسعار أقل مما تباع في مصر نفسها, والغاز كأقرب وأوضح مثال؛ يشتريه المحتل بأقل من السعر الذي يشتريه المصري المواطن, بل وإنه عندما طلب الفلسطينيون في غزة من مصر بيعهم الغاز رفضوا. يستغرب الفلسطيني الأمر ويتساءل لماذا التجارة مع دولة الاحتلال حلال ومعهم حرام؟ لطالما حدث الفلسطيني نفسه قائلا: أرجوكم عاملوني كاليهودي المحتل فقط.