هدأت حدة الخطاب حول المصالحة، وبدأ التفكير بهدوء، وعودة النقاش داخل أروقة القوى والفصائل الفلسطينية للنقاش الجمعي في هذه المرحلة بين قيادات الفصيل الواحد لبلورة موقف حول كيفية تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين كافة القوى والفصائل الفلسطينية بعيدا عن شروط هنا أو مواقف مسبقة أو قديمة رثة لم تعد تصلح منهجا حتى للخطاب الإعلامي.
المواطن والمراقب سواء.. الجميع يتابع وينتظر الخطوات القادمة التي ستتبع حالة الهيجان اللفظي والخطابات التسويقية الاستعراضية لأن الملل أصاب الجميع من كثرتها وتناقضها فقد تكررت على مدى السنوات الماضية ولم تنتج هذه الجعجعة الإعلامية طحينا، يمكن أن يطعم الناس أملا في إمكانية تحقيق الوحدة وإنهاء حالة الانقسام لمواجهة العدو الذي يخطط ليل نهار لإدامة هذا الانقسام كونه يصب في مصلحته ويحقق له أهدافه ويمارس جرائمه في التوسع الاستيطاني والتهويد والعدوان بهدوء وبلا موقف حقيقي من قبل الأطراف الفلسطينية المختلفة إما لبعد المكان ومحاربة المقاومة أو من أجل مصالح سياسية أو اقتصادية.
نحن الآن بحاجة إلى لحظة صفاء مع الذات وأن يجلس الفرقاء مع انفسهم أولا وان يقيموا المرحلة السابقة بشكل شمولي وفق حسابات وطنية بعيدا عن الحزبية والشخصنة والمصالح التي اضرت كثيرا القضية وكان منطلقها العناد وتسجيل المواقف وترسيخ الانقسام وزرع مزيد من الحقد والكراهية وقد سجل الإعلام مساحة واسعة من الحضور في هذه المعمعة التي فاقت كل تصور.
تقييم المرحلة السابقة بات ضروريا قبل الإقدام أو حتى قبل الحديث عن نوايا تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين القوى في اتفاق القاهرة أو بين فتح وحماس في الدوحة أو العودة إلى وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى) التي شكلت قاسما مشتركا بين الكل الفلسطيني في انجاز كثير من القضايا التي تشكل منطلقا نحو الوحدة القائمة على أساس حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني وإقامة الدولة مع احتفاظ كل فصيل بسياساته وقناعاته لتحقيقها في الوقت والزمان والطريقة التي تتناسب والمرحلة التي يحقق فيها هذه السياسات والقناعات.
الجلوس مع الذات هو المرحلة الأولى للجلوس مع الكل الفلسطيني للقيام بمرحلة التقييم للفترة الماضية بكل أمانة والبحث عن النجاحات والإخفاقات والوقوف على أسبابها وتداعياتها ومعالجة سلبياتها ودعم إيجابياتها ثم رسم استراتيجية جديدة متفق عليها واضحة المعالم غير قابلة لتعدد التفسيرات والتأويلات محددة الأهداف ومفصلة للآليات دون لبس أو التباس، وتسخير كافة الإمكانيات المتاحة وتحشيد العالمين العربي والإسلامي والعالم المحب للشعب الفلسطيني والمؤمن بحقوقه لمساندة مواقفه في مواجهة الاحتلال.
وفق هذه الآلية نعتقد أن الدخول للمصالحة يكون من الباب الأوسع، تطوى فيه صفحة الماضي ويؤسس عليه الانطلاق نحو إعادة الأمور إلى نصابها على قاعدة الاحترام المتبادل وحق الاختلاف والاجتهاد في الرأي، وعلى مبدأ الشراكة السياسية وتحمل المسئوليات المشتركة (شركاء في الوطن شركاء في القرار) وبالاستناد إلى حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني والعمل على إشاعة الحريات والحق في التعبير عن الرأي وتشكيل التجمعات السلمية وممارسة العمل التنظيمي والمجتمعي دون أي شروط أو تبعات أو تهديد بالملاحقة والتحقيق والاعتقال حتى يتم خلق بيئة سياسية ديمقراطية مشبعة بأجواء الحرية بعيدة عن الكبت أو القهر.
السير في المصالحة يتم بخطوات متتابعة الخطوة تسلم التي تأتي بعدها بسلاسة دون القفز على ما قبلها أو بعدها على أن تكون هذه الخطوات متسارعة لأن كل الأمور قد أقرت ولا توجد إلا نقطة أو نقطتان خلافيتان علاجهما يتم خلال التنفيذ الأمين لما تم الاتفاق عليه إذا توفرت الإرادات وصدقت النوايا.
لن تكون هناك انتخابات ديمقراطية سليمة قبل تحقيق المصالحة على الأرض وإنهاء كل ما ترتب على الانقسام من إجراءات وخطوات وإلا سننتج بيئة خصبة للاختلاف ونعيد الانقسام إلى أوجه، فالانتخابات لا تخيف حماس إذا كان القصد أن شعبية حماس تأثرت بالحكم، وان حركة فتح في قمة المد الجماهيري بعد خطوة الجمعية العامة، المسألة لا تقاس على لحظة من اللحظات للرأي العام، لأن الرأي العام متقلب وتؤثر فيه كثير من الاعتبارات، ففي لحظة ما قد يكون يمينيا بانفعال وقد يطرأ أمر ما فيصبح يساريا، وقد تهدأ الأمور ويكون وسطيا بامتياز.
ما لم تتحقق المصالحة أولا يكون سيد الموقف هو الشك، هذا الشك سيفسد أي انتخابات تجري حتى لو توفرت لها كل الظروف والأسباب، لذلك المصالحة أولا ثم المصالحة ثم المصالحة فالانتخابات.