قائمة الموقع

مقال: أسئلة وتحديات في ذكرى انطلاقة حماس

2012-12-13T07:00:05+02:00
د. عدنان أبو عامر

بينما تحيي حركة المقاومة الإسلامية حماس ذكرى تأسيسها الخامسة والعشرين تشعر أنها بلغت بهذه المرحلة الزمنية ذروة مجدها وأقصى ما تتمناه أي حركة سياسية في حين ينظر إليها الخصوم بمشاعر يختلط فيها الإعياء بالحنق من كثرة الإحباط الذي ألم بمخططاتهم لاستئصالها والقضاء عليها.

ويبدو المجال في الوقت نفسه متاحا للحديث في محاور مهمة لا بد للحركة من أن تقرأها جيدا وتتأمل ما بين سطورها التي ليس بالضرورة أن تكون واضحة وضوح العنوان الوارد أعلاه.

وقد فاجأتني كما غيري الأعداد التي فاقت الحصر في مهرجان انطلاقة حماس الأخير بغزة ولاسيما في ظل حضور مختلف الفئات والمستويات.

وبغض النظر عن الأرقام التي ذكرت، فإن هذه الشعبية المتنامية لحماس في قطاع غزة تحديدا تضع أسئلة مهمة حول ما قد تستفيد منه الحركة فعلا من شعبيتها هذه في ظل أن التوقعات والاستطلاعات "الموجهة" تشير وتؤكد ولا تزال أن شعبيتها وجماهيريتها بالقطاع المحاصر (إسرائيليا) وفلسطينيا وعربيا ودوليا تراجعت بما لا يدع مجالا للشك شاءت حماس أم أبت.

وأهم هذه الأسئلة التي تتطلب وقفة جادة وتاريخية من قيادة حماس في الداخل والخارج:

1- قدرة حماس على استقطاب هذا العدد الهائل وفي ظل حصار محكم الإغلاق يوجب عليها أن تقيم لجماهيرها ومناصريها من أفراد الشعب العاديين غير المؤطرين تماثيل من الأحجار الكريمة، وهنا لا بد لحماس من أن تنظر بعين أكثر حرصا وتحسسا لأوضاعهم، فهناك جهود تبذل نعم لكن حشود الجماهير الأخيرة تضع مسؤوليات كبيرة على الحكومة والحركة.

2- الحشود المؤلفة التي وصلت مهرجان الانطلاقة تحتم على حماس البقاء على ثوابتها السياسية الوطنية، والإثبات لهذه الجماهير أنها على العهد والقسم الذي من أجله ذهب الشهداء الذين تزينت بصورهم ساحة المهرجان، وألا تخضع لحملات الترهيب والترغيب التي تمارس عليها من الأصدقاء والخصوم على حد سواء، لأن لسان حال تلك الجماهير كان بصوت عال: لا تصالح.. لا تصالح.

3- لا أظن للحظة واحدة أن أي تنظيم تصل جماهيريته وشعبيته إلى هذه الدرجة يسعى لمزيد من الاستقطاب واستيعاب مزيد من الأنصار والمؤيدين، فقد وصلت حماس إلى مختلف البيوت والعائلات، ونادرا تجد بيتا ليس فيه مؤيد للحركة أو مناصر لها فضلا على ألا يكون مؤطرا في صفوفها.

كما تبدو حماس مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى باجتراح بعض الميكانيزمات والآليات التي يجب أن تتسلح بها لاجتياز هذا التحدي، ما يمكن أن يمنحها بجدارة براءة الاختراع الخاصة بابتكار وصفة جديدة من الحكم وسط هذا البحر المتلاطم الأمواج من التحديات الضمنية والمعلنة.

4- السلطة والمقاومة: لم يكن انتقال حماس من المعارضة إلى السلطة انتقالا مكانيا من موقع إلى موقع بل انتقال زماني من الدعوة إلى الدولة، ومن لحظة الفعل الذي يحكمها مبدأ الواجب الشرعي والوطني إلى لحظة يؤسسها مبدأ الممكن السياسي، ومن الأيديولوجيا إلى السياسة، ومن الإستراتيجيات إلى التكتيك، ومن الأهداف العليا إلى المرحلية.

وفي المحصّلة، قدر كل أيديولوجيا أن تنزل من عليائها النظري إلى الواقع حين تصطدم بالسياسة، لأنه من الصعوبة بمكان المحافظة على "العذرية الثورية" حين تترجل وتمشي على الأرض، لأنها ستصبح في هذه الحالة كائنا ماديا نسبيا تسري عليه نواميس التحول.

5- اللون الواحد: من نافلة القول إن حماس بذلت جهودا مضنية لتشكيل حكومة ائتلافية تشكل "قوس قزح" فلسطينيا يحظى بإجماع شعبي وطني، ولكن الحسابات المختلفة لجميع الأطراف أعاقت خروج هذه الحكومة إلى حيز الوجود، ومع ذلك فإن حماس في ذكرى انطلاقتها تبدو مطالبة أن تدير هذه البقعة الجغرافية بآليات أكثر انفتاحا على الكفاءات الفلسطينية التي لا تنتمي بالضرورة لها.

وعلى الصعيد التنظيمي، حماس حافظت طوال 25 عاما على انتقال سلس للمواقع التنظيمية غير المكشوفة على نطاق واسع دون أن تشهد صراعات حزبية واستقطابات تنظيمية مع أنه ليس محرما محظورا لكنه بقي داخل البيت الواحد.

6- الخطاب السياسي: وضع انتقال حماس من موقع لآخر تحديات كبيرة عليها كأنها تنتقل من آفاق المعارضة الرحبة إلى أزقة السياسة الضيقة، وهذا ما قد يستغربه أنصارها وهم يرون قادتهم يتحدثون عن خريطة الطريق والرباعية والرغبة في وصول المنطقة للاستقرار الدائم، ما يضع على حماس عبئا تنظيميا يركز في الحديث إلى الداخل، وإن شئت داخل الداخل، وهذا ما يحتم عليها -القواعد والأنصار- ألا يكبلوا حركتهم بثوابت متوهمة أو مخلوطة بالأمنيات، وعليهم أن يوطنوا أنفسهم على تحمل بعض الخسائر والتراجعات، وأن يتذكروا أن السياسة تمتد ما بين المطلقات التي يستشهد في سبيلها ولا يجوز التنازل عنها والضرورات التي تبيح المحظورات، وأن يوسعوا ثقافتهم باتجاه المتغيرات، وأخف الضررين وأقل الشرين، بالقدر نفسه من ثقافتهم حول الثوابت والعزائم والأصول.

أخيرا: تدخل حماس عامها الـ26 من عمرها وهي تبدو أكثر انتشارا من ذي قبل، وأقل عرضة للاستئصال والغياب عن المشهد السياسي مع عدم تناسي جسامة التحديات التي لا تزال في طريقها، ما يحتم عليها أن تكون أكثر حذرا في التعامل مع العدو المحتل، وأقل توجسا من المختلف الوطني.

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00