ما كنّا نتصوّر ونحن نطالع عمر حماس الجهادي وهو يوشك أن يتم ربع قرن أن تختم عامها الخامس والعشرين بفصل جميل كهذا، وأن تصنع خلال ثمانية أيام فقط نيشان انتصار بحجم خارطة الوطن الجريح، ولا أن تصدّر جماليات ثورتها إلى شرايين أبناء الأمة كلّها التي أطلّت على ساحة الفخار من نافذة كتائب القسام، وعاشت لحظات مباركة مرّت كحلم طويل أنعش زوايا الروح ونفض عنها سأم السكون.
عن أي شيء في مسيرة حماس يمكن أن نكتب وأيدينا تكبّلها رعشة الاندهاش، وأقلامنا فاض حبر عزتها حتى غمر كل مساحة يمكن أن تسجل فيها فاصلة انتصار أو نقطة فخار؟!
بأي لسان سنسعف أنفسنا ونحن نلملم رمزيات روعتها المنثورة حيثما حلّ دم أو سكن قيد أو انكسرت سلاسل، وحيثما حطت رحال عائد من سجنه ببركة من مزقوا شرنقة الوهم، وأودعوا الأفق بهاءهم؟!
حماس ليست فعلاً ماضياً وحسب، ولا إرثاً يستعين به المحتفلون بأعيادها كلّ عام إذا ما خلا سجلها الحديث من ومضات البريق، وحماس ليست ذلك العشق العتيق الذي سكن قلوباً لا تبدّل ولا تحوّل، واكتفت بالوفاء (للحبيب الأوّل) حتى لو منع عنها موجبات الوصل! وحماس ليست ركناً محدود المساحة ولا وجهاً ذا ملامح جامدة غير متجددة..!
حماس هي حاضر دافق بالحياة، حافل بالألق الممتد، مزنر بصهيل لا يتعب.. وحماس فعل مضارع بدلالة المستقبل، وإرادة ما فتئت تترجم نفحات روحها فتتفوّق بطولتها الآنية على تلك الموغلة في القدم، وهي روعة البدايات التي لا تنضب، ولحن البنادق المواكبة يقين النهايات!
في عامها الخامس والعشرين؛ تقول حماس لعشاقها الذين غدوا بالملايين إن حلمكم مصان، وإن عيون جيادنا ما حادت عن القدس ولا الأسرى ولا اللاجئين، وإن حمحمات صواريخنا محت طعم الهوان، وسكّنت وجع التهجير يوم وصلت تخوم القدس وتلّ الربيع، ويوم قبّلت جبين عسقلان وتناثرت شظاياها على بؤر الاستيطان!
خمسة وعشرون عاما، ظل الدم ساقيتها وابتهالات مسيرها، بدأت برتل من القادة والجند، وما كفّت عن العطاء، ولا كان أحمد الجعبري آخر المترجلين الصاعدين، لكنه كان كلمة سرّ الظفر الجديد، ومفتاح العبور لمرحلة عنوانها: (الآن نغزوهم ولا يغزوننا)، وحسب أبي محمد أن غدا يرتسم حجراً في كلّ مواجهة، وأنّ ملامحه صارت لازمة لكل مسيرة أو تظاهرة، وأنه سلاح كل منتفض في الضفة، ومدفع كل مقاتل في غزة، وزاد عزمه وشارة انتصاره ورداء روحه!
إنه وعد الآخرة.. اقتربنا منه خطوة أخرى يوم جادت حماس راضية بأعزّ بنيها وأبرّهم بوصيتها، ويوم صبغ دم شهدائها مساحات وجعنا، ويوم غالبَت العواصف حتى ردّت ريحها، ولاحقت فتيل الحروب على حماها حتى أطفأتها، فدنت بنا من مراسي العودة، ورتّل قسّامها واثقا: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم).
دامت حماس عزيزة برجالها وساعدها الراسخ، ومضت شامخة إلى يوم فلسطين الموعود، محفوفة برعاية المولى، وبدوامها وفيّة للثوابت.. قابضة على جمر الحقوق. وكل عام وشعبنا مع حماس إلى نصره الحتمي أقرب !