قائمة الموقع

الشهيد السلايمة.. آخر العنقود ورضيّ الوالدين

2012-12-13T10:05:46+02:00
الشهيد محمد السلايمة
الضفة المحتلة - الرسالة نت "خاص"

حاول أن يصنع جوا بسيطا من الاحتفال بيوم ميلاده ليلقي عن كاهله قليلا من تعب الدراسة ويغير أجواء المنزل الروتينية بتاريخ مميز، ارتدى ملابسه واتجه صوب الباب ثم التفت إلى والدته وطلب منها الرضا فردت "الله يرضى عليك يا ابني"، همّ بالخروج ولكنه عاد وطلب منها الرضا مرة أخرى فداهمت غصة قلبها لا تعرف مصدرها ورحلت عيناها معه حتى خرج من المنزل.

هناك في أزقة البلدة القديمة من الخليل سار محمد السلايمة (17 عاما) وهو يلهو بهاتفه النقال وينظر يمينا وشمالا إلى ما اغتُصب من بلدته وتحول إلى منازل للمستوطنين، أطلق تنهيدة تحكي جرحا فلسطينيا غائرا ومضى في طريقه، ولكنه سرعان ما توقف بالقرب من ديوان الرجبي بعد أن لمح مجموعة من جنود الاحتلال ثم أكمل طريق بهدوء أكثر.

لم تشفع له ملامحه الطفولية ولا قامته التي توضح أنه فتى لا يتجاوز السابعة عشرة من العمر ولا حتى تحركاته التي تدلل على أنه يسير بطريقة عادية، ارتخى جسده في ثوان معدودة ولامس الأرض بعد أن انغرست ست رصاصات فيه ترجمت حقد المحتل الأسود.. شريط ذكريات مر كالبرق في ناظريه وعيناه تنظران إلى السماء قبل أن ترحل روحه إلى خالقها.

وعلى الفور بدأ تلفيق الروايات لدى جيش الاحتلال بأن محمد كان يحمل سلاحا تارة وأنه كان يحاول مهاجمة الجنود تارة أخرى، وفي أوساطهم قدم الجنود التهاني على "البطولة" التي قامت بها إحدى المجندات بقتل الفتى!.. وليس هذا فحسب بل تركوا جثمانه لساعات في مكانه دون السماح لأي شخص بالاقتراب منه، وبعد ذلك توجه عشرات المواطنين علهم ينقذونه.. ولكن دون جدوى.

وعلى الجانب الآخر من الوطن امتلأت عينا الأسير المحرر عوض السلايمة شقيق الشهيد بالعبرات فور سماعه نبأ استشهاد شقيقه الصغير، كم يحمل له من الأشواق وهو يعيش في قطاع غزة بعد الإفراج عنه في صفقة وفاء الأحرار، كم يستذكر له من حكايات لم يكتب لها سوى أن تكون حبيسة غرفة الزيارة في السجون.

ويقول المحرر لـ"الرسالة نت" :" محمد هو شقيقي الأصغر وقد ولد وأنا داخل الأسر، فلم أره إلا عبر الزيارات التي كان يزورني إياها وأنا أسير، فنشأت بيني وبينه علاقة عميقة لأنه تعلق بي وأحس بفراغ في المنزل بعد أن تعرف إلي بشكل قريب، وبعد تحرري زارني في قطاع غزة فكان اللقاء الأقرب بيننا وسررت لأنه أصبح شابا وكم كنت أحبه".

حشرجة ودموع قطعت صوت عوض عدة مرات أثناء حديثنا معه، ولكن الاحتساب في سبيل الله والرضا بقضاء الله وقدره كان لسان حاله.

ويضيف:" محمد كان مرضيا من والدي ووالدتي وكان خلوقا مؤدبا يحافظ على صلواته ولا يزعج أحدا حتى في طفولته، وهو كان متوجه كي يشتري كعكة بمناسبة يوم ميلاده وطلب الرضا من والدتي أكثر من مرة أثناء خروجه، نسأل الله تعالى أن يكون شفيعنا يوم القيامة وأن ينتقم لدمائه التي سالت على أرض مباركة".

زغاريد عانقت منزل الشهيد في مدينة الخليل بعد استشهاده، فالعائلة التي قدمت ابنها الأول أسيرا وهو ابن 17 عاما والثاني شهيدا في العمر ذاته لم يتسلل الحزن إلى قلبها طالما أن كل ذلك في سبيل الله، وهي كلمات رددتها والدته حين ذهبت لرؤية نجلها الشهيد في المشفى الحكومي بالخليل "لو كان لدي عشرة أبناء لقدمتهم في سبيل الله وفداء لفلسطين والمقاومة".

اخبار ذات صلة