بعد محاولات عديدة نجحت مساعي "الجزيرة نت" في تنظيم لقاء مع المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام أبو عبيدة. وجدناه كما هو معتاد ملثما يحيط به عدد من جنود القسام.
قال لنا إن القسام -وهي الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- لديها ألوف كثيرة من الجنود تتوزع على أقسام متخصصة، وإن هذه الألوف تنتشر في مختلف مناطق فلسطين ومنها الضفة، ولا يقتصر وجودها على غزة.
وأكد أن 95% من الأهداف التي ضربتها "إسرائيل" في حربها الأخيرة مدنية، وأن الخسائر العسكرية للمقاومة لا تكاد تُذكر. وبيّن أن المقاومة ضربت أهدافا محددة في "إسرائيل" وكلها عسكرية.
وعدد أبو عبيدة مجالات الانتصار التي حققتها المقاومة على "إسرائيل" بهذه الحرب وصولا إلى اتفاقية إطلاق النار التي سعت "تل أبيب" لها أولا وجاءت بشروط المقاومة. وخلص إلى أن الاحتلال "فشل في معركته الأخيرة معنا، ونحن كسرنا قواعد الاشتباك معه". وفيما يلي نص الحوار.
يقال إن عدد جنود القسام ناهز العشرين ألفا، فهل هذا الرقم واقعي أم مبالغ فيه؟
هذا العدد قد يكون قريبا إلى الصحة، والحقيقة أن كتائب القسام تعتمد على أكبر من هذا العدد، غير أنها ليس من سياستها الإعلان عن مثل هذه التفاصيل التي تتعلق بهيكليتها وقيادتها وعدد أفرادها وما شابه ذلك، لكنها تعتمد على آلاف كثيرة من المجاهدين بفضل الله تعالى بمختلف الأقسام المتخصصة في كتائب القسام.
وهل هذه الآلاف الكثيرة متفرغة بالكلية للكتائب بمعنى أنها قوات نظامية أم أن منها احتياط؟
كل جندي في كتائب القسام منظم، وأكبر تشكيلاتنا في القسام وحدة المرابطين، وهم الذين يرابطون على ثغور قطاع غزة بشكل يومي منذ بداية الانتفاضة وحتى يومنا هذا، ويوجدون بشكل متواصل على كل ثغور القطاع من الشمال إلى الجنوب، وهذه أكبر وحدة في كتائب القسام.
وهناك وحدات أكثر تخصصا عددها بالتأكيد أقل، ولكن كل جندي في الكتائب نظامي، وهناك أناس في الاحتياط.
هل للكتائب وجود في الضفة الغربية أم يقتصر وجودهم على غزة؟
طبعا كتائب القسام موجودة في كل فلسطين، والضفة الغربية جزء أساسي ولها بعد إستراتيجي أكبر في مقاومة الاحتلال الصهيوني، لكن طبعا كتائب القسام وكل فصائل المقاومة تعيش حالة من الاستهداف المتواصل والمباشر واليومي من الاحتلال ومن السلطة التي تقوم بالتنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني، لذا فإن قطاع غزة هو الأبرز في هذه المرحلة من حيث الوجود ومن حيث حرية العمل والحركة والعدد وما شابه ذلك، وهذا لا يلغي وجودنا في الضفة الغربية ولا يمكن أن نتخلى عن وجودنا في الضفة كجزء لا يتجزأ من فلسطين.
بالطبع هذا الوجود غير معلن، ولكن هل هو وجود مقدر وبأعداد كبيرة؟
لا أستطيع أن أقول ذلك، يعني الإخوة في الضفة الغربية لديهم ظروف صعبة جدا وقاسية، وهم مخولون بتقدير ظروفهم. طبعا هناك فصل قسري بين قطاع غزة والضفة، وكتائب القسام لا يمكن أن تسقط جزءا هاما من الوطن من حساباتها، خاصة أن هذا الجزء له بعد إستراتيجي أكبر في مقاومة الاحتلال.
سمعنا في الحرب الأخيرة عن تشكيل غرفة قيادة مشتركة بينكم وبين فصائل المقاومة الأخرى، فما هو حجم وحقيقة التنسيق العسكري بينكم وبين الفصائل الأخرى؟
طبعا هناك تنسيق على أعلى المستويات بيننا وبين كافة الفصائل العاملة على الساحة الفلسطينية، خاصة الأذرع العسكرية.
وطبعا لا يخفى أن هناك تباينا سياسيا كبيرا في الساحة الفلسطينية من حيث المناهج والبرامج، لكن نحن في مجال عملنا العسكري المقاوم ننسق مع كل الفصائل التي تعمل بالمقاومة المسلحة للاحتلال الصهيوني على أعلى المستويات قبل وأثناء هذه المعركة وبعدها كذلك، وهناك غرف عمليات مشتركة موجودة في قطاع غزة تجمع هذه الفصائل وتنسق، وربما أنتم تابعتم طبيعة التنسيق في المعركة الأخيرة خاصة في موضوع اتفاق وقف إطلاق النار، فالاحتلال أبدى دهشته من التزام الفصائل في وقت واحد بوقف إطلاق الصواريخ، وكذلك التزامها بالبدء بالمواجهة في وقت واحد.
هذا يدل على أن التنسيق على أعلى المستويات، لكننا لا نستطيع أن نقول إن هناك عملا موحدا بشكل كامل، فهذا أمر غير موجود لأن الظرف الفلسطيني وطبيعة عملنا في مواجهة الاحتلال تقتضي أن لا يكون هناك تجميع أو توحيد كامل.
ما حجم خسائركم العسكرية في حرب "حجارة السجيل" الأخيرة قياسا بحجمها في حرب "الفرقان" عام 2009؟
إذا تحدثنا في مجال الشهداء على أنها خسائر -مع تحفظنا على ذلك- فعدد شهداء القسام والمقاومة الفلسطينية عموما في الحرب الأخيرة أقل من سدس عددهم في الحرب التي قبلها.
أما عن الأهداف العسكرية التي استهدفها الاحتلال فنستطيع أن نقول إنه لا توجد نسبة تذكر قياسا بما استهدفه من أهداف مدنية، فأكثر من 95% من الأهداف التي استهدفها الاحتلال أهداف مدنية بحتة لا علاقة لها بالمقاومة مثل المنازل والمرافق المدنية والمؤسسات والوزارات والأراضي الزراعية.
وللتغطية على فشله الاستخباري، كان الاحتلال يدعي باستمرار أن هذه مناطق تعتبر منصات لإطلاق الصواريخ أو مصانع أسلحة أو مخازن أسلحة وذخيرة، لكن هذا الأمر كله غير حقيقي ونحن نعلم ذلك من واقع عملنا في الميدان.
هل لديكم في العموم تقييم لأدائكم وأداء إسرائيل في الحرب الأخيرة؟
بفضل الله عز وجل فإن تقييمنا لأدائنا أنه كان إيجابيا وأن هناك تقدما كبيرا في أداء المقاومة الفلسطينية -وخاصة كتائب القسام- على كافة الأصعدة. وبفضل الله لم يكن هناك إرباك في صفوفنا، وقد أرادت إسرائيل صنع هذا الإرباك عندما اغتالت القائد أحمد الجعبري ففشلت.
حافظنا على مستوى عال للنيران وفق الخطة الموضوعة من قبل قيادة القسام حتى اليوم الأخير، وكان حجم النيران التي استخدمناها في هذه المعركة يساوي عشرة أضعاف معدلها في اليوم الواحد من حرب الفرقان السابقة، كما أن هذا الأمر أثر حتى اللحظة الأخيرة في موضوع رضوخ إسرائيل لشروطنا في عقد الهدنة.
كما أن المقاومة -وكتائب القسام خصوصا- كان أداؤها تصاعديا، فبعد أربع ساعات من اغتيال القائد أحمد الجعبري بدأنا قصفا غير مسبوق لمواقع الاحتلال العسكرية، وبعد ثماني ساعات من اغتيال القائد الجعبري كان هناك قصف لتل أبيب لأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية.
المنحى التصاعدي للنيران الذي استخدمته كتائب القسام كان سابقة وكان مفاجئا للاحتلال، كما أن استخدام كتائب القسام أسلحة نوعية تستخدم لأول مرة في تاريخ المواجهة مع الاحتلال من قبيل ضرب آليات على الحدود مع قطاع غزة، واستهداف بوارج في البحر، واستهداف طائرات في سماء قطاع غزة، وتوسيع مدى الصواريخ إلى هذا الحد، كل هذه القضايا كانت نقاط إنجاز ونجاح للمقاومة الفلسطينية، وكانت في المقابل نقاط فشل أمني واستخباري وعسكري للاحتلال الصهيوني.
كما أن هذه العملية كلها تكللت بنجاح سياسي للمقاومة تمثل في اتفاقية وقف إطلاق النار التي فرضت فيها المقاومة شروطها، في حين أقر الاحتلال بالفشل، وكان هو الذي سعى أولا إلى وقف إطلاق النار.
بالحديث عن الصواريخ ذكرت مصادر إعلامية إسرائيلية انطلاقا من تقديراتها في الحرب الأخيرة أن ما تمتلكه المقاومة الفلسطينية من صواريخ يتراوح بين 12 و16 ألف صاروخ فقط، فما تعليقك؟
الاحتلال لديه تسريبات كثيرة تعبر عن تخوفه من القدرات التي تمتلكها المقاومة، ويستخدم ذلك تارة للترويج وتارة لتبرير العدوان على قطاع غزة أو حشد قوى دولية ضد المقاومة الفلسطينية، ونحن لا نعلق على هذه المعلومات لأن الاحتلال لديه أهداف من تسريب مثل هذه الأنباء من ناحية استخبارية أو إعلامية، لكن في المجمل نحن نقول إن التقديرات التي يطلقها الاحتلال في غالبها تقديرات غير دقيقة وغير صحيحة.
وإذا عدنا إلى أول يوم في المعركة الأخيرة فإن الاحتلال أعلن عن تدمير معظم القدرة الصاروخية لكتائب القسام وللمقاومة في قطاع غزة، وكانت هذه معلومة خاطئة مائة بالمائة وكانت تعبر عن مدى الأزمة الاستخبارية التي يعيشها الاحتلال في قطاع غزة.
وفي المجمل فإن الأرقام التي يتحدث عنها الاحتلال أقل بكثير مما تمتلكه المقاومة.
في هذه الحرب برز عنصر الصواريخ المصنعة محليا مثل إم 75، فهل هذا يشير إلى توجه وقدرة وإمكانات تتوفر لديكم للتصنيع الحربي الداخلي أم أن الأمر استثنائي ويبقى في حدوده الدنيا؟
لا، بالتأكيد الأمر ليس استثنائيا. فالمتابع لكتائب القسام منذ بداية عملها يجد أن لديها إستراتيجية ثابتة هي جزء أساسي من عقيدتها القتالية، وهي الإعداد وخاصة التصنيع المحلي، فنحن نسعى لتصنيع السلاح داخليا بكل الإمكانات المتاحة رغم شحها، وهذا أمر ربما يعد ضربا من المستحيل في القياسات المادية المتعارف عليها، لكنها إستراتيجية ثابتة ستتواصل، وقد أثبتت نجاعتها وكانت ضربة مفاجئة للاحتلال الصهيوني في المعركة الأخيرة.
في ظل حصول المقاومة على الصواريخ، هل يمكننا القول إن سياسة العمليات الفدائية قد توقفت؟
بالتأكيد لا، فالمقاومة لم ولن تسقط من حساباتها أي ورقة قوة يمكن أن تستخدمها في مواجهة الاحتلال بما في ذلك العمليات الاستشهادية والجهادية، وما حدث في تل أبيب "عملية تل أبيب" خلال المعركة الأخيرة خير شاهد على ذلك.
فالكتائب لن تسقط هذه العمليات من حساباتها لسبب بسيط هو أن الاحتلال يستهدف كل شيء على الأرض الفلسطينية: الأبرياء والمدنيين والنساء والأطفال والشيوخ والمباني، لذلك فإن الاحتلال يفرض علينا أن نواجهه بنفس الطريقة التي يواجهنا بها.
لذلك ستبقى العمليات الاستشهادية وغيرها من وسائل المقاومة متاحة ولن تسقطها من حساباتها. وإذا كنا نستخدم الصواريخ في هذه المرحلة -وهو سلاح ردع أساسي للمقاومة- فإن هذا الأمر لا يعني إسقاط باقي الوسائل من حساباتنا.
سرت تسريبات تقول إن مجمع اليرموك الذي قصفته إسرائيل مؤخرا في السودان كان يحوي أسلحة نوعية كانت في طريقها إلى غزة وللقسام تحديدا، فهل يمكنكم تأكيد أو نفي ذلك؟
نحن لا نحب أن نعلق على مثل هذه الأخبار التي يروجها الاحتلال، فهو بدافع فشله في مواجهة المقاومة على الأرض وكذلك انطلاقا من مشروعه التوسعي والعدواني على الدول العربية يقصف تارة هنا وتارة هناك، وتارة يدعي أنه رصد بارجة أو باخرة تحمل صواريخ من أقصى الأرض إلى قطاع غزة. وهذه الأساليب والتسريبات التي يقوم بها الاحتلال لم تفت يوما في عضدنا ولم تكن يوما سببا في وقف تسلحنا ولا في إرباكنا.
وأنا أقول إن معظم هذه المعلومات التي يروجها الاحتلال غير صحيحة وغير حقيقية. والاعتداءات التي ينفذها هنا وهناك سببها دوافع تخصه، وقد يستهدف شيئا يظن أن به أسلحة، وهذا جزء من الهستيريا التي يعيشها الاحتلال مع قطاع غزة والمقاومة، فتارة يقول إن الأسلحة تأتي من ليبيا وتارة من سيناء وتارة من السودان وتارة من إيران، لكننا نقول بشكل واضح إنه ليس من سياستنا الإعلان عن مصادر تسلحنا.
وفي الوقت نفسه نحن لا نذيع سرا إذا قلنا إننا نسعى إلى امتلاك الأسلحة والوسائل القتالية من كل مكان متاح في العالم. كل مكان يمكن أن نحصل منه على سلاح سنسعى للحصول عليه، وهذا من حقنا وواجبنا، بل هو من واجب العالم والدول العربية والإسلامية أن تمدنا بالسلاح.
ما هو العامل الفاعل الذي خدمكم في هذه الحرب، هل هو العامل الاستخباري؟
معظم الأهداف التي قصفناها في المعركة الأخيرة أهداف عسكرية، بمعنى أنها مواقع عسكرية أو مطارات عسكرية أو قواعد لسلاح الجو الصهيوني أو قواعد برية، وكلها أعلنا عنها في حينها وبأسمائها. والاحتلال يتكتم على أكثر من 90% من أماكن سقوط الصواريخ، هو فقط يتحدث عن مناطق يدعي أنها مدنية، وهذا جزء من سياسة الاحتلال نحن ندركها تماما، فهو لديه إستراتيجية ثابتة من عشرات السنين بإخفاء الخسائر العسكرية في صفوفه.
أما نحن فقد استهدفنا أهدافا عسكرية كثيرة وأهدافا أمنية داخل الكيان الصهيوني، وهناك تسريبات سربها بعض الإعلاميين عن مواقع حساسة وخطيرة داخل الكيان استهدفتها صواريخنا. نحن نعتبر أن كل هدف على أرضنا المحتلة هدف مشروع، عندما يقع علينا عدوان ونرد العدوان عن أنفسنا.
ما هي أبرز الاستخلاصات والعبر من الحرب الأخيرة؟
سنستفيد من هذه المعركة كما استفدنا من المعركة التي سبقتها، فنحن على مدار عملنا في مواجهة الاحتلال نتعلم من تجاربنا ومن أخطائنا ونطور إمكاناتنا ونكيف هذه الإمكانات وفق الواقع والمعطيات الموجودة. فالاحتلال خطط للمعركة الأخيرة بطريقة معينة لكنه فشل فيها. ونحن كسرنا قواعد الاشتباك مع الاحتلال.
الاحتلال يعتمد على الحرب الاستباقية كركيزة أساسية، لذلك فإنه اغتال القائد أحمد الجعبري وفشل في تحقيق الهدف من وراء اغتياله وهو إرباكنا. ويعتمد على نقل المعركة إلى أرض الخصم، ونحن نقلنا المعركة إلى قلب الكيان الصهيوني وجعلنا أكثر من خمسة ملايين صهيوني تحت مرمى النيران.
الاحتلال يعتمد على ركيزة أساسية في عقيدته القتالية هي ردع الطرف الآخر عن أن يبادر بالهجوم، لكن الحرب الأخيرة والحرب التي قبلها أثبتت أن سياسة الردع وقوة الردع الموهومة لجيش الاحتلال سقطت وأصبحت جزءا من التاريخ ولم يعد لها أي أثر.
الجزيرة نت