يعيش عدد كبير من الشخصيات الفلسطينية في لبنان ومنهم منير شفيق الذي يعد من المفكرين الفلسطينيين والعرب عموماً ومن أبرز الشخصيات التي جمعت بين الفكر القومي والاسلامي.
"الرسالة نت" التقت شفيق ببيروت لتفتح معه ملفات مختلفة مرتبطة بالقضية الفلسطينية وتطوراتها، لاسيما أن حدثين هامين لا زالا يسطران على المشهد الفلسطيني الاول كان انتصار غزة، والثاني الموافقة على الطلب الفلسطيني بدولة غير مكتملة العضوية في الامم المتحدة.
الارتباطات الخارجية
"الرسالة نت" ارتأت أن تبدأ بالحديث عن آفاق تتعلق بتطورات المشهد الفلسطيني لاسيما المتعلقة بتحقيق المصالحة وانهاء حالة الانقسام ، فسألت شفيق عن رأيه في امكانية التوصل الى حالة من الانسجام بين حركتي حماس وفتح ومن الذي يعطل الوصول إلى تحقيق ذلك؟
شفيق قال ان المعطل الأساسي للمصالحة ارتباط محمود عباس بأمريكا والكيان (الإسرائيلي)، واستراتيجية المفاوضات والتسوية، فالشعب الفلسطيني لا يوحده إلا المقاومة والممانعة والانتفاضة.
وأضاف أن الواقع والتجربة خلال العشرين سنة الماضية أثبتت ان طريق التسوية والمفاوضات فاشلة، وأدت إلى دمار القضية، والذي كان بين أيدينا فقدناه. بل يرى شفيق أيضاً أن ما يفعله الاحتلال بعد أوسلو لم يكن يفعله قبلها، وتفشي المستوطنات وعربدة المستوطنين مثال على ذلك.
ويعدَّ شفيق كل قرارات الأمم المتحدة التي يروج لها أنها لصالح القضية الفلسطينية لا تعدو كونها انتصارات وهمية، وكلها استخدمت لتخدير الشعب الفلسطيني وتمرير الأمر الواقع.
ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤلفة من 193 دولة بأغلبية الخمس على مشروع قرار يقضي بترقية وضع السلطة في الأمم المتحدة من كيان مراقب الى دولة غير عضو بصفة مراقب، وأيّد مشروع القرار 138 صوتًا وعارضه تسعة وامتنع 41 عن التصويت.
هروب الى الأمام
ويبين شفيق أن الأسباب التي أدت إلى توجه السلطة للأمم المتحدة ترجع إلى فشل سياسات المفاوضات والتسوية، " فبدلا من أن يعترف الرئيس محمود عباس بفشل هذه الاستراتيجية وهذه السياسات، إلا أنه حاول أن يهرب إلى الأمام".
ويشير شفيق إلى أن استراتيجية المفاوضات أوصلت إلى ضياع القسم الأعظم من الضفة الغربية المحتلة، والاعتداء على القدس بشكل مريع فيما يتعلق بالتهويد وصولا إلى مطالبة الكيان (الإسرائيلي) إلى اقتسام الصلاة في المسجد الأقصى والاعتراف بيهودية الدولة.
ويقول إن "الشيء الوحيد الذي يتسلح به عباس أن امريكا و(إسرائيل) تعارضان هذه الخطوة، وهم ممكن أن يعترضوا على أي شيء، حتى بقاؤنا ووجودنا يعترضون عليه".
ويعتقد أن خطوة الأمم المتحدة لا تسترجع أية حقوق ولا تعني أي شيء، وهي فقط بأفضل حالاتها يمكن استخدامها في بعض القضايا بهيئة الأمم، ولكن لا ترجع الحقوق ولا الضفة المحتلة ولا تؤدي لأي شيء.
لكن حماس كحركة مقاومة دعمت خطوة عباس أو على الاقل لم تعارضها، فما رأيك ؟ كان هذا سؤال "الرسالة نت" لشفيق الذي أعرب عن اعتقاده بأن "تأييد حركة حماس لهذه الخطوة لتسهيل المصالحة"، آملا أن تتحول المصالحة إلى انتفاضة، فالضفة والقدس والمسجد الأقصى يضيع، والفصل بين الضفة وغزة يتكرس أكثر.
المقاومة فاجأت الاحتلال
ويرى شفيق أن الانتصار الحقيقي هو الذي حدث في غزة من تحرير وبسالة، مضيفًا "إذا أردتم للقضية الفلسطينية أن تتقدم يجب إطلاق انتفاضة في الضفة الغربية بمظلة الوحدة الوطنية، فوجود الأجهزة الأمنية يجب أن ينتهي هناك".
ويرى أن حكومة الاحتلال فوجئت بموقف حماس وفصائل المقاومة في الرد على اغتيال الجعبري والقصف الذي تلاه لبعض المواقع.
ويوضح أنه في هذه المرة "حماس" بالذات لم تتخذ موقفًا اعتياديًا، بل كان الرد عمليَا قصف شبه شامل ومتواصل، مما حول الموضوع إلى حرب، وهذا فاجأ الكيان ولم يتوقع أن المقاومة لأول مرة في تاريخها تبادر لخوض حرب لم تكن (إسرائيل) تتمنى الوصول إليها.
ويرى أن من جعل الحرب تستمر لثمانية أيام هو فصائل المقاومة، والذي جعلها منتصرة بفضل التسلح والإعداد، والموقف المصري والجامعة العربية لعبا دورا مميزًا في هذه الحرب عن سابقاتها، حيث كان الوضع العربي متواطئ مع الاحتلال (الإسرائيلي).
ويقول "هذه المرة كان الموقف العربي والإسلامي جيدا من ناحية الدعم السياسي والمعنوي، وهذا الانتصار الذي فرض شروط المقاومة على (إسرائيل) من ثمرات الثورات العربية".
ويرى أن طلب قيادات الاحتلال الهدنة خلال الحرب؛ هذه شهادة بأن ميزان القوى في المنطقة قد تغير، وأصبح في غير مصلحة (إسرائيل) وأمريكا، وأيضا شهادة بأنهم فشلوا في هذه الحرب فشلا ذريعا، مما جعل (إسرائيل) وأمريكا تخضعان لإرادة وشروط المقاومة التي خرجت منتصرة.
وفيما يتعلق بالثورات العربية وتأثيرها على القضية الفلسطينية يرى شفيق ان الاتجاه العام للثورات العربية هو التقدم إلى الأمام رغم الصعوبات والصراعات أو حتى التراجعات لدى البعض باعتبار ما يمرون به مرحلة جديدة، فطبيعة الثورة يغلب عليها الهبوط والصعود والاستمرار.
ويعد أن كل هذه الثورات تخدم القضية الفلسطينية لأنها تزيح ما يسمى الكنز الاستراتيجي لـ(إسرائيل) التي وصلت إلى ما وصلت إليه خلال الحرب الأخيرة وأزاحت أيضا جبهة الاعتدال العربي، وأنتجت تغيرات جوهرية في مجمل الوضع العربي.
وينصح بأن يركز الشعب الفلسطيني على قضيته وعلى المقاومة، ويقيم أحسن العلاقات مع كل القوى العربية والإسلامية التي تريد دعمه بلا استثناء، ويجب ألا يقحم نفسه بالصراعات مع أحد.
التياران الاسلامي والقومي
لكن ولأنك قريب من تيارين مهمين في الأمة الاسلامي والقومي ، كيف ترى العلاقة بينهما الان بعدما شهدت في الفترة نوعاً من التقارب ، هل عدنا من جديدة لمرحلة أخرى تتباعد فيها أجندات الطرفين؟
وفي هذا يرى شفيق انه إذا أردنا نجاح الثورات ونهوضها وأن يحدث للقضية الفلسطينية تقدمًا، لابد التعاون والوقوف في جبهة واحدة بين التيارين وإلى جانبهم القوى الديمقراطية واليسارية، لأن الأمة لن تنهض بالقوى الإسلامية وحدها، ولا بالقوى القومية وحدها، بل بكل قواها، وستثبت الأيام أن الصراع بين الإسلاميين والقوميين لا يؤدي إلى نجاح الثورات ومكتسباتها الكبرى، فحمل الأمة كبير وصعب، ومشكلة العرب أن دولهم مجزأة وبحاجة إلى مشروع وحدوي وتحرري من الهيمنة الخارجية وبناء مشاريع مشتركة.
ونقطة ضعف الحكومات الموجودة أنها لا تتجه للقيام بأعمال عربية مشتركة، لماذا لا يحدث تضامن مشترك وسوق اقتصادية مشتركة وتجاوز للخلافات.