قائمة الموقع

الحاج محمد شراب يروي مأساة أسرته في معركة الفرقان

2010-01-26T16:51:00+02:00
العدوان دمر غزة- ارشيفية

الرسالة.نت- إسماعيل أبو عمر

كان الحاج محمد كساب خليل شراب في الستينيات من العمر على موعد في اليوم الحادي والعشرين من أيام العدوان مع مشاهد الموت حينما قرر هو وولديه ترك بيتهم المتاخم للشريط الحدودي, والالتحاق بباقي أسرته في خانيونس المدينة.

تفاصيل الحادثة يرويها الحاج محمد: "في ظهيرة يوم الجمعة الموافق 16 -1 -2009 انتهزنا فرصة فترة التهدئة التي أعلنها الاحتلال يومها و قررنا ترك منزلنا في المنطقة الشرقية والتوجه لمنزلنا في مدينة خانيونس للابتعاد عن مناطق التماس"

ويواصل الحاج محمد سرد قصته ويقول: استقلينا سيارتنا الخاصة من نوع "جيب" متوجهين إلى البلد , وفي طريقنا وبالقرب من مستشفى الأوروبي تفاجأنا بإطلاق نار كثيف اتجاه السيارة أدت إلى إصابتي في ذراعي، كما أصيب نجلي الأصغر إبراهيم 17 عاما في ساقه , وكانت الإصابات متوسطة , ولم يصب في هذه اللحظة نجلي الأكبر كساب 28 عاما.

استشهاد كساب

ويضيف الحاج محمد بصوت مختنق وهو يستذكر ذلك الموقف " في هذه اللحظات اتضح لنا أن جنود الاحتلال الذين يعتلون منزلا لا يبعد عنا أمتارا قليلة هم الذين أطلقوا النار علينا , وطلبوا منا الخروج من السيارة , فكان ولدي كساب أول من نزل من السيارة من الجهة الخلفية , فأطلقوا النار بشكل مباشر على صدره , واستشهد على الفور.

ويتابع "ولدي إبراهيم المصاب قال أن شقيقه استشهد , وفي هذه اللحظات استجمعت قواي للوصول إلى ابني كساب حيث كان ملقى على الأرض خلف السيارة , والجنود يهددون بإطلاق النار صوبي, فأخذت بالصراخ عليه وأنا في وضع انبطاح وقلت له " يا بابا يا كساب إذا كنت تسمعني حرك لي قدمك حتى أتأكد أنك حي, فلم يرد على صراخي فتأكدت في هذه اللحظة أنه فارق الحياة".

ولم تنته مأساة عائلة الحاج محمد شراب رغم مرور أكثر من 5 ساعات على الحادث في ذلك اليوم.

فنجله الأصغر وهو مصابان , ومع حلول المساء وبرودة الشتاء تحدث نجله إبراهيم المصاب لوالده وأخذ يقول له أنه يشعر ببرودة , طالبا من والده الجلوس في السيارة للوقاية من البرد.

وأضاف الحاج محمد " في هذه اللحظات تحركت نحو إبراهيم لتلبية طلبه , وأخذ جنود الاحتلال يهددوني من جديد بإطلاق النار نحوي , لكنني لم أكترث , وقلت لهم " طخ ما عاد في شيء أخاف عليه " , وتمكنت من إدخال ولدي إبراهيم في المقعد الأمامي للسيارة وأنا جلست خلفه ".

اتصالات للإنقاذ

وبارتعاشة قوية تابع وصف الحدث " أصبح بإمكاني وأنا داخل السيارة الاتصال بسيارة الإسعاف , فأخبروني بعجزهم عن الوصول للمنطقة وأنهم ممنوعين من دخولها , رغم أنني لا أبعد سوى 900 متر عن مشفى غزة الأوروبي.

ومع دخول ساعات الليل في المنطقة والتي تعتبر خالية بالقياس مع باقي مناطق قطاع غزة , واصل الحاج محمد محاولاته للاتصال على سيارات الإسعاف والصليب الأحمر دون أن يتسلل اليأس إلى قلبه للحظة , وكان الأمل يحدوه في أن يجد من ينقذه و نجله من براثن الموت.

ويتابع " اتصلت مع الصليب الأحمر لإرسال سيارة إسعاف وأخذت أوضح لهم بان المنطقة ليست منطقة اشتباكات إلا أنهم عادوا وأبلغوني بأنه غير مسموح لهم دخول المنطقة , ومع حلول الليل بدأت الكلاب تحوم حول جثة ولدي الأكبر كساب التي لا تزال ملقاة على الأرض خارج السيارة , فترجلت من السيارة مرة أخرى رغم تهديد الجنود وقمت بقلب وجه ولدي الشهيد ناحية الأرض و تغطيته لحفظ جثته من الحيوانات.

وأضاف " تواصلت مع عدة وسائل إعلام من بينها الجزيرة الفضائية ووجهت نداءات استغاثة بلغة متماسكة مسموعة دون أي ارتباك لإنقاذنا من الموقف الذي نحن فيه".

وأوضح أنه بعد مرور أكثر من 9 ساعات على الحدث دار حديث بينه وبين جنود الاحتلال وطلب منهم غطاء لولده الشهيد , وإسعافه هو ونجله , وقال لهم بصوت عال مذبوح ومجروح " لو كنتم جيشا متحضرا كما تدعون اصنعوا اللازم مع المصابين " , لكن دون جدوى.

بابا كيف إصابتك؟

" بابا كيف إصابتك؟" كانت آخر الكلمات التي نطق بها إبراهيم فجر اليوم التالي للحادث متعاليا على جراحه ونزيفه للاطمئنان على والده, فأجابه والده: بابا لا تسأل عن إصابتي , فنحن في هَم ولا بد من البحث عن وسيلة للخروج من هنا.

ولكن لا مفر من القدر, فقد بدأ إبراهيم يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن فقد كميات كبيرة من الدم وهو ينزف , وبالفعل فاضت الروح إلى باريها تشتكي ظلم العدو الصهيوني.

وبين جثتي ولديه أخذ الحاج محمد يتنقل في موقف تعجز الجبال على تحمله, ولكن الإرادة والعزيمة التي يملكها أبو كساب أكسبته قوة على تحمل ما يدور حوله .

وفي ظهيرة اليوم التالي أي بعد مرور 23 ساعة على الحدث انسحبت قوات الاحتلال من المنطقة , وفور الانسحاب هرعت سيارات الإسعاف نحو مكان الحادث , وقامت بنقله وإسعافه , ونقل جثامني نجليه .

ومع مرور عام على هذه الحادثة إلا أنها لا تزال تتوقد حرقة في قلب الحاج محمد الذي أصبح يرى كل شيء من حوله قاتم السواد , فأصابته حالة عصبية هو وزوجته ولا يزالان يعانيان منها حتى الآن .

المحنة التي مر بها الحاج محمد لا يمكن لكل منح الدنيا أن تزيلها , لكن زيارة إلى بيت الله المحرم قد تهون شيئا من مآسي عام مضى و نثر معه أحزانا وآلاما على سني حياته المتبقية.

يذكر أن الحاج محمد عاد للإقامة في بيته المتاخم للشريط الحدودي وحيدا دون عائلته فيما بقيت عائلته في مدينة خانيونس ويقوم بزيارة أسبوعية للعائلة , ولكنه يعاني وزوجته حالة عصبية منذ استشهاد ولديهما ويحتاجان إلى رعاية صحية متخصصة الأمر الذي لم ينالاه حتى هذه اللحظة.

 

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00