قائمة الموقع

مقال: خربشات من الانتفاضة الأولى "ثورة المساجد"

2012-12-25T11:07:20+02:00
ابراهيم المدهون
بقلم : ابراهيم المدهون

خمسة أعوام تقريبا عمري لحظتها، عائد مع أبي من البحر القريب، مياهه صافية يقذفني والدي في ماء البحر فأصرخ ويلتقطني مرة أخرى،أرتجف  وادعوه للكف ثم كطفل صغير اطلب أن يكرر ما أخاف  وأعود للبكاء، لعبت على شاطئه فأغرقتني الأمواج بجنونها الذي لا يتوقف، فبنيت من رملها المخلوط بيتا حطمته أول موجه.

في طريق عودتنا قطعنا الشط الرملي ومررنا بزقاق ما بين "الطُعمة" والنادي الرياضي، وبدأت البيوت الكرميدية والاسبستية تبتلعنا شيئا فشيئا، حيث تنعدم البيوت الدائمة من البطون والخرسانة آن ذاك، حيث يَمنع الاحتلال وعسر الحال من التطاول في البنيان.

حينما وصلنا وأبي شارع المؤن جنوبي المخيم مرت فجأة سيارة عسكرية بلونها المميز، الذي لم يعرفه هذا الطفل أهو بني أم اخضر زيتي، ولأول مرة أنتبه لامر مختلف وغير عادي، فسرت في أوصالي خيفة ورعشة، سألت أبي ببراءة من هؤلاء "شو هدا" ؟ قال لي كلمة واحدة هدول اليهود.

الكره والخوف والقلق شعور سيطر علي لحظتها. شرح لي أبي عن ماذا يعني يهود واحتلال وارض وشهيد وجريح وبندقية، لكن ما علق في ذهني منظر الجيب المكشوف يسير محملا بجنود مدججين بالسلاح.

في منتصف أحد الليالي المعتمة سمعت دويا قيل لي انه صوت عيار ناري، تساءل بيتنا عن كنه هذه الرصاصة، لحظتها اضطربت وسمعت دقات قلبي تتسارع. فاخذ ابي يخمن عن نوع هذا الطلق الناري أهو من بندقية أم مسدس، ورجح انه صوت مسدس فقد خرج الصوت مكتوما رغم دويه العالي، أول مرة انتبه ان هناك رصاص وصوت عالي مخيف.

لعبة "القلول" أو البنانير المفضلة لطفولتنا ففيها متعتنا ونقضي معظم وقتنا خلف هذه الكور الزجاجية الصغيرة، وفي ذات يوم وانا أمارس لهوي مع أطفال حارتنا سمعت المسجد يُكبر بصوت ينهج من السرعة والقوة، حي على الجهاد حي على الكفاح ويكرر التكبير، وصرخ بصوت أكثر علوا يحمل حرقة تزداد مع النداء: الجامعة الإسلامية تحترق إنها محاصرة من الصهاينة المحتلين، هبوا لنجدة جامعتكم، تحول المخيم لساحة هرج ومرج وأخذ الناس يلهثون سعيا هنا وهناك. هذه المرة الأولى التي أسمع فيها صوت تكبير وتهليل ونداء للجهاد والنضال، وحركت في الكثير من المشاعر الوطنية وأحببت هذا النفس الخارج من المسجد. فسألت بعدها عن الجهاد والكفاح واليهود والشهيد وكلمات خرجت كثيرا من المئذنة.

أواخر عام 1984 التحقت بمدرسة "العتيقة الابتدائية" ولا ادري لماذا سميت بهذا الاسم وهي تقع شرقي المخيم حيث شارع الشفاء، وفي المدرسة دهشة جديدة حيث أجيال تختلط، وثقافات وأسماء وأفكار جديدة تبدأ تقتحم عالمك الصغير، كنت اصغر طالب بالمدرسة وهذا الشعور سخيف ان تكون في الصف الأول وهناك آخرين أكثر خبرة ودراية منك، وقوة وفتوة، فتطر للاستماع لهم ولنصائحهم وتوجيهاتهم وتأخذ منهم الافكار بتسليم غريب.

في طريقنا للمدرسة وخلال عودتنا  او في لحظات الفورسة او الفسحة يدور حديث طفولي رقراق عالق في وجداني معظمه عن الهوية والانتماء لاننا موجوعون،  من نحن؟ ولما كل هذا البؤس؟ وترددت كلمات  فلسطين وأننا محتلين فلا دولة لدينا ولا نشيد وطني ولا تحية علم ولا فريق كورة يمثلنا، وان هذا المكان ليس مكاننا لأننا مهجرين فتعلمت، انني من مدينة المجدل وصديقي حسن من الرملة وعامر وسامح من اللد، أما محمد فقال انه يافاوي وكان لي زميل مدرسة حمامي وآخر من هربيا وبيت دراس ونعليا واسدود  أسماء نحفظها نتعلمها ونحلم بها..

اذكر أن بلال قال لي وكان يكبرني بثلاثة أعوام: لعلمك دم الفلسطيني غالي كتير، يعني يا ابراهيم لما ينقتل واحد منا لازم نقتل عشرة من اليهود. لأنهم اخدوا أرضنا وطردوا ابواتنا،  كانت أحديث مضحكة وجميلة تطوف بي وكأنها قبل لحظات، واذكر حرقته وهو يؤشر لي بيده وكنت ادري ولا ادري ما معنى كلامه.

وفي المدرسة تتطور افهامنا ويزيد إدراكنا لما حولنا، وتتدفق الاحداث واخبارها لأسماعك طعن جندي. هروب ستة من سجن غزة المركزي. عملية في ساحة غزة، الجيش الإسرائيلي يزداد كثافة في الشوارع، يوقف المواطنين ويقوم باهانتهم.

وفي يوم هز غزة واثر فيها كثيرا حيث دارت معركة في حي الشجاعية قتل احد الضباط الصهاينة وآخرين من جنوده واستشهد أربعة من المقاومين الفلسطينيين من حركة الجهاد الإسلامي، لحظتها أصابني شعور غريب عن كنه هؤلاء وما هذا الذي يحدث.

في أواخر شهر نوفمبر 11 من عام 1987 استيقظنا على خبر عجيب عملية كبيرة توقع ستة قتلى وعشرات الإصابات في معسكر جيش جنوب لبنان هذه العملية نفذت بطائرة شراعية لمقاتل سوري، ما زلت اذكر متابعتي للأخبار على القناة الإسرائيلية واستمع للإذاعة بشغف، واشترينا صحيفة القدس، وجريدة أخرى أظن اسمها النهار تصدر في الأردن، أخذت اقرأ وأنا ما زلت في الرابع الابتدائي اهجي وأشاهد صور الطائرة الشراعية كانت اول نشوة استشعرها في حياتي نشوة وطنية جدا.

 كل هذا قبيل بدء أهم وأعظم حدث في تاريخ القضية الفلسطينية والمنطقة من وجهة نظري، والتي ما زلنا حتى اللحظة نعيش تبعاتها، ألا وهي انطلاقة الانتفاضة الأولى والتي سميت  "ثورة المساجد".

يتبع باذن الله.

اخبار ذات صلة
مقال: خربشات موظف
2017-02-23T06:45:57+02:00