قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: شعبية فتح تتطلب وقفة مع الذات

النائب/ يحيى عبد العزيز العبادسة
النائب/ يحيى عبد العزيز العبادسة

النائب/ يحيى عبد العزيز العبادسة

بلا شك استطاعت حركة فتح أن تحشد أعداداً كبيرة في انطلاقتها الثامنة والأربعين، وهذا يوجب على قيادة حركة حماس أن تقف مع الذات.

والسؤال الذي يفرض نفسه، ما السر وراء احتفاظ حركة فتح بهذه الشعبية الكبيرة؟، في الوقت الذي تفتقر فيه في قطاع غزة إلى التنظيم الدقيق والمتماسك والمنضبط، فهي تعيش أزمة قيادية، بل إن قيادتها منقسمة على ذاتها، وتتوزع ولاءات العناصر بين عباس ودحلان، كما أن حركة فتح مغيبة عن العمل لست سنوات خلت في المؤسسات الرسمية، وفي الجامعات وفي الشارع.

يتجمع هذا الحشد الضخم بينما برنامج حركة فتح السياسي فاشل على الأرض، ولا أُفق لخيار الدولتين الذي تتبناه، كما أن التنسيق الأمني مع الاحتلال يمثل وصمة عار على جبين كوادر وقيادات ومنتسبي الحركة، وارتهان حركة فتح للمساعدات الأمريكية يضعف من مكانتها الشعبية والجماهيرية.

كما أن قيادة فتح التي يمثلها أبو مازن، لا تتمتع بأي احترام عند جماهير الشعب الفلسطيني، ولا عند جماهير الأمة العربية والإسلامية، فهو عنوان للضعف والتخاذل والانهزام والتراجع وعدم المصداقية.

وأتساءل هل يستطيع أي فتحاوي أن يعدد أي انجاز لحركة فتح طيلة العشرين سنة الأخيرة؟، الجميع يتغنى بالماضي، وبالطلقة الأولى، وبأبي عمار، أي أن حركة فتح حركة تقتات على الماضي، وتعيش على أمجاد لم تصنعها قيادات اليوم، فما السر وراء احتفاظها بشعبيتها في القطاع.

بينما في المقابل، فإن حركة حماس قد حققت في السنوات الأخيرة على الأقل انجازات عظيمة، حتى أصبحت غزة مثلاً ونموذجاً للكبرياء الوطني والقومي ومثالاً للعزة والكرامة والتضحية.

فحماس فازت في انتخابات 2006 وصمدت أمام الحصار وكسرته، وتحدت جميع العالم ولم تعترف بإسرائيل ورفضت شروط الرباعية وصمدت أمام عدوان إسرائيل في 2008 وانتصرت في صفقة وفاء الأحرار وانتصرت في حجارة السجيل وساهمت بشكل غير مباشر في إعطاء النموذج للثورات العربية، والبنية السياسية المحيطة تتغير لصالح مشروع الحركة، ولا زالت الحركة هي عماد مشروع المقاومة والتحرر.

والمنطق الطبيعي للأشياء أن تتحول الجماهير الفلسطينية إلى تأييد حركة حماس، ولكن الواقع أن كل فريق قد حافظ على أنصاره ومؤيديه.

فما السر وراء ذلك؟ سؤال يحتاج إلى إجابة متأنية ودون تسرع، وبقليل من النقد الذاتي، وتفحص الحال، يتبين لنا دون مواربة أن هناك مشكلة عميقة بين البناء القاعدي للحركة وبين جماهير الشعب الفلسطيني، بين قواعد الحركة وبين المجتمع، وهذا يحتاج إلى إعادة تثقيف وتأهيل قواعد الحركة، كي تكون فاعلة في المجتمع، ومتكيفة معه، وقادرة على فهم ديناميات العمل المجتمعي، وهذا يحتاج إلى البحث عن أدوات ووسائل التواصل المباشر، بعيداً عن الأعمال الاستعراضية التي لا تفيد، مطلوب تأهيل وتدريب لجميع العناصر بثقافة جديدة تحترم الآخر وتتقبله وتتمركز حول عناصر وبعمل مشترك، والتعاون على البر والتقوى، وعمل الخير والعمل التطوعي، وعدم التمركز حول الذات، والتربية على التسامح والتفاؤل، وحب المجتمع، إن الحركة في حاجة ماسة، لإعادة صياغة عقول ونفوس وقلوب أبناء الصف الإخواني والحمساوي، كي يكون متصالحاً مع الذات ومع المجتمع، وهذا يحتاج إلى استنهاض جديد ويقظة حقيقية.

كما أنني أرجع الفضل في تقدم حركة حماس إلى المدافعة المستمرة والمتواصلة مع الصهاينة، وما حققته الحركة من انتصارات في ميدان المقاومة والصمود والتحدي للإرادة الصهيوأمريكية، والذي يعود الفضل فيه إلى الله أولاً ثم إلى كتائب القسام ثانياً.

وهذه الانتصارات استفادت منها قيادة الحركة في كسب شعبية متزايدة عند أبناء الصف وعند الجماهير الفلسطينية، ويوشك أن يصيب القيادة بحالة من العجب، فتركن إلى أنها تحقق انجازات وانتصارات على الأرض، ويجعل قدرتها على قراءة الموقف وتحليل البيئة الداخلية للحركة ضعيفة.

إن الفعل القيادي يحتاج إلى متطلبات كثيرة، أرى أن عدداً منها غير متوفر، فعلى القيادة أن تغادر حالة العجب والمديح من بعض المنتفعين وأصحاب المصالح أو ضعيفي العلم والمهنية، وأن تقوم بقراءة علمية متخصصة للوضع التنظيمي، وثقافة القواعد، ومدى صلاحيتهم وأهليتهم للعمل مع جماهير الشعب الفلسطيني، لتسويق برامج الحركة وقيمها ومفاهيمها.

إن ما سبق مسؤولية القيادة، التي يتوجب عليها أن تشكل فرق العمل وأن تعقد الندوات والورش المتخصصة كي تُقَيم شعبية الحركة، ولماذا تفشل الحركة في إقناع الشارع بصدقها بينما تنجح فتح بإقناع الشارع بسحرها وكذبها ودجلها.

البث المباشر