جوال لا للمستحيل.. جوال لخدمة المشتركين.. شعارات تتغنى بها شركة الاتصالات الفلسطينية "جوال"، فإن كنت غزيا لن تشعر بالأمن مع جوال وإن سُرق جهازك الجوال مرفوض حصولك عليه حيث تتعثر حينها خدمات اللامستحيل.
"نعتذر لسيادتكم، السيرفر الخاص بالمعلومات موجود بالشركة الأم فقط بالضفة الغربية" هذا مختصر إجابة شركة جوال للنيابة العامة منذ عام 2009 إزاء أي جريمة إلكترونية.
المواطنون الضحية
الطالبة الجامعية اسراء شحادة سُرق جهازها الجوال الذي اقتنته بعد دفع ثمنه الباهظ ولكنه لم يكمل الشهر، وتضيف "ذهبت للشركة بطمأنينة كوني أحمل "السيريال نمبر" الخاص بجهازي ولكني تفاجأت بتوقف هذه الخدمة حيث رفضت الشركة بصورة تامة الافصاح عن أي معلومة".
أما الشاب كارم محمد الذي فقد جهازه الثمين أثناء تناوله وجبة طعام في أحد الفنادق فيقول "الناس لو عارفة انو السارق سينكشف لا أحد سيسرق بعد ذلك" مُشيراً الى أن جوال بهذه الطريقة تخسر ثقة المواطن بها.
السيرفر بالضفة
ولمعرفة تفاصيل هذه القضية المثيرة تحدثت "الرسالة" الى مدير المصادر الفنية في جهاز المباحث العامة بغزة زكريا أبو الجديان, الذي قال أن علاقة شركة جوال بالأجهزة الأمنية قبل عام 2009 كانت متكاملة، كل ما تحتاجه النيابة من معلومات تحصل عليه، ولكن بعد العام المذكور تتواصل النيابة العامة وبشكل رسمي لطلب أي خدمة بأمور الجوال من الشركة للكشف عن جرائم متنوعة تُقابل بالرفض التام.
وأضاف: تعاون الشركة مع الحكومة ككل يقتصر على جزئيات بسيطة جدا، ولا تستخدم كثيرا ولا تقدم شيئا في كشف الجنايات والقضايا العالقة، مبيناً أن تحججها بوجود السيرفر الخاص بالمعلومات في الضفة المحتلة غير صحيح، كون هذه المعلومات كانت تتوفر قبل 2009 بكل سهولة حتى للمواطن العادي.
وأكد وجود قضايا خطيرة منذ فترة طويلة يحتاج الكشف عن مُرتكبيها خدمة بسيطة من شركة جوال، وكان آخرها من ستة أشهر جريمة قتل لشخص مرهون حلها بخدمة بسيطة وهي الكشف عن صادر ووارد المكالمات من جهاز القتيل لمعرفة من اتصل به لأن سجل الارقام كان قد مسحه الجاني من جوال المجني عليه.
وبالطرق الفنية الخاصة بالمباحث ومتابعتها تصل لجزيئات فقط تحتاج لفتح خطوط أكبر ولكن جوال حينها تقول stop ولا تمنح أي معلومة كانت.
لتأجيج الشارع
المباحث العامة ذكرت –على لسان ابو الجديان- أن وضع شركة جوال عراقيل قد يكون له علاقة بنفوذ وشخصيات سياسية لتأجيج الشارع الفلسطيني ووضع الحكومة أمام عقبات لحل القضايا وايصالها لحالة من العجز، وفقدان ثقة المواطن بها وأنه لا مبرر لذلك.
وأشار ابو الجديان إلى أن جوال شركة خاصة, وفي الأصل يجب أن تتعامل بشفافية في كل خدماتها مع الحكومة ولكن علة وجود السيرفر بالشركة الأم في رام الله تلازم لسان إدارة جوال في غزة تجنباً لضغط الحكومة عليها.
ونوه الى أنه في القانون الفلسطيني كل انسان يمتلك المقدرة على كشف الجريمة ويمتنع عن تقديمها يُعتبر متسترا عليها، والأصل أن يتم معاقبة جوال لكن الحكومة في الوقت الحالي اتجهت لتشكيل لجنة تتكون من وزارة الداخلية والاتصالات والنيابة العامة لاتخاذ قرارات بشأن الشركة, على حد قوله.
ووفق أبو الجديان, فان خير دليل على ادعاء الشركة بعجزها عن تقديم هذه الخدمات هو وجود بعض المواطنين الذين لهم معارفهم وعلاقاتهم الخاصة قد مكنتهم جوال من الحصول على أجهزتهم المسروقة وذلك بواسطة "السيريال نمبر" وهو رقم كود خاص بكل جهاز موبايل يستطيع صاحبه معرفة مكانه عند وضع أي شريحة فيه كونها مسجلة باسم شخص ما والوصول له بكل سهولة، مُضيفاً بأن المواطن في رام الله يحصل على هذه المعلومات بكل يسر, وفي أقل من 24 ساعة يسترجع جهازه المسروق ويُغلق الملف بوقت قياسي.
وتمنى أبو الجديان من شركة جوال مساعدة النيابة والمواطن كونه جزء من المجتمع وتتعامل معه بشكل مباشر كما يتعاون معها، كما أن الحكومة توفر الحماية والأمن للشركة ومقراتها ولا يستطيع أحد أيا كان العبث بمحتوياتها فهي تتلقى دعما أمنيا حكوميا حالها حال أي شركة خاصة، ومن باب أولى أن تقدم جوال خدمة عائدة بالنفع على المواطنين وليس على الحكومة.
يُذكر أن قانون العقوبات 36 المادة 235 مطبق لأي جريمة معلوماتية سواء إزعاج ليلي أو إساءة أو رسائل سب وقذف وذم، ونص أنه يجوز للنائب العام مراقبة شخص محل شبهة, فالأصل وجود خط مفتوح بين الطرفين وتوفير الامكانات اللازمة لقسم الشكاوى في النيابة العامة.
5000 شكوى عالقة
وعن النيابة العامة قال رئيسها في مدينة غزة يحيى الفرا "للرسالة" أن "العلاقة الوحيدة التي تربط شركة جوال بالنيابة بعد حرب الفرقان هي إرسال اسم صاحب الشريحة ورقم هويته إن كان مسجلا وكثيرا من الأحيان يكون الاسم وهميا أو يكون رقم الهوية لا يتبع اسم مالك الشريحة، وإن كان المشترك من الضفة لا تفيد جوال بأي بيانات سوى أنه ضفاوي"، مُشيراً الى تفعيل هذه الخدمة منذ عام ونصف فقط لأنها كانت ضمن المنع أيضاً.
وبالنسبة لقضايا سرقة الجوالات ترفض الشركة نهائياً الافصاح عنها بأي معلومة، وكذلك لا تتعاون عند الحاجة لمراقبة جهاز جوال مشبوه به، مما يُشكل عائقاً في استكمال التحقيقات والكشف عن أبعاد الجريمة.
وفيما يتعلق بالشكاوى أوضح الفرا وجود ما يزيد عن 5000 ومنها 3200 فقط في مدينة غزة، تقدم بها المواطنون ولكن حال تعذر ردود الشركة وعدم تعاونها دون إنجاز أي من هذه القضايا وبقائها عالقة والمواطن لاحول له ولا قوة، فمصير كل شكوى من هذا النوع البقاء معلقة إلا اذا كُشف المجرم بوجه الصدفة.
الأمر سياسي
وبين الفرا أن سبب تعنت الشركة أنها الوحيدة في القطاع، وعند فرض أي عقوبة عليها سيتم إرجاع الأمر سياسياً.
ويشك الفرا في مصداقية ما تقوله جوال لأن التقنية استحالة أن يتحكم فيها مبرمج دون آخر، وأن ادعاءهم سبب وهمي لتجنب الحكومة، وتمارس جوال على موظفيها رقابة مشددة خوفاً من تعامل أحدهم بطريقة سرية مع الحكومة.
وأضاف: منذ ثلاث سنوات حتى هذه اللحظة تم التواصل والتحاور ما بين وزارة الاتصالات والشركة والنيابة العامة لحل هذا الأمر، ورفع تقارير توضح العوائق الكبيرة والخطيرة للوزارات المعنية والتي تحاول بدورها الوصول لحل لإنجاز كافة القضايا المتعلقة بردود جوال، ولكن حتى الآن لا شيء يلوح بالأفق لأمر إيجابي جديد، مُشدداً على أن الأمر سياسي فإن صلح ستُحل هذه المشاكل بكل سهولة.
وأوصى الفرا مجلس الوزراء برفع الأمر إلى الرئاسة مباشرة لتتعاون جوال في اكتشاف الجرائم وخدمة المواطنين واستقرار الأمن، وإرجاع الحق لأصحابه.
ومن باب الموضوعية حاولت الرسالة الحديث مع شركة جوال لكنها رفضت التعاون والحديث عن هذه القضية، والسؤال الذي يوجهه كثيرون إلى متى تتستر جوال على الجرائم؟