قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: "حماس"..ما بعد انطلاقة "فتح"

مؤمن بسيسو

في غمار المطالبات الملحة بإحداث التغيير الوطني لا يمكن وضع حركتي فتح وحماس في سلة واحدة.

التغيير المطلوب من حركة فتح تغيير بنيوي وسياسي يطال جذر مواقف وسياسات وبرنامج الحركة، غير أن المطلوب من حماس يكمن في إعادة صوغ علاقتها مع الجماهير في ظل المتغيرات الدراماتيكية التي تعيشها المنطقة والعالم.

الخطوة الأهم التي ينتظرها شعبنا من حماس في هذه المرحلة تكمن في إعادة صوغ العلاقة مع الجماهير، وبسطها على أرحب ما يكون، سياسيا وأمنيا واجتماعيا.

لا خلاف على حجم التأييد الشعبي الذي تملكه حماس فلسطينيا، فالحق يقال أن الحركة، وخاصة في قطاع غزة، استطاعت أن تحافظ على عناصرها وأنصارها في غمرة التقلبات العاصفة التي أصابت الحالة الفلسطينية بفعل قسوة الحصار وأدواء الانخراط الفجائي في مسار الحكم بعيدا عن مفاعيل التهيئة المسبقة، إلا أن الوجه الآخر للحقيقة يكمن في أن الحركة فقدت رصيدا جماهيريا لا يستهان به بفعل بعض السياسات الخاطئة، ورعونة أداء بعض أجهزتها الحكومية في التعامل مع المواطنين، والفجوة التي تكرست في إطار علاقة الحركة وتواصل أبنائها مع الشارع والمجتمع عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة.

في غمرة جهود تثبيت الركائز وإرساء القواعد التي ميزت المرحلة الماضية التي طغت عليها تجليات الصراع الداخلي من جهة، والصراع مع الاحتلال من جهة أخرى، اجتهدت الحركة خطأ بشأن سياسة الرد بالمثل على ما يجري في الضفة الغربية، ولم تضع في أولوياتها مدى الآثار السلبية التي يمكن أن تُخلفها عديد السياسات الإدارية الخاطئة الصادرة عن بعض الأجهزة الحكومية، واكتفت بعقوبات آنية لعناصر أجهزتها الأمنية التي تسيء التعامل مع الناس، وغفلت عن النزول الجميل والتواصل الحقيقي مع الناس والمجتمع رغم بعض المحاولات الموسمية التي اجترحتها الحركة بلا أي عائد بعيد أو ثقل استراتيجي.

من المفيد التذكير أن الاجتهادات التي أدارت المرحلة السابقة بنوع من الانغلاق وضيق الأفق لم تضع ضمن أجنداتها وتفكيرها حسابات الجدوى الخاصة بالنتائج والمآلات، واعتقدت أن سلامة الحال والمسار السياسي، وحجم العطاء والتضحيات في ميدان المواجهة مع الاحتلال، كفيل بتعديل الموازين والتماس العذر في الحفاظ على استقرار جبهة القطاع بعيدا عن أي حراك حزبي أو فصائلي ذو بال.

ما أثبته الميدان أن بسط الحريات وسلامة العلاقة وحسن التواصل مع الناس كان في كفة، ونظافة السياسة والبلاء الحسن في وجه الاحتلال كان في الكفة الأخرى.

ومما يبدو فقد أدركت حماس هذه الحقيقة مؤخرا، واستخلصت العديد من دروس وعِبَر المرحلة الماضية، ما دفعها لإحداث مراجعات قيّمة في إطار عمل وأداء أجهزتها الحكومية، وتحسين علاقاتها بالمواطنين، وبسط الحريات الفصائلية في عموم القطاع.

إعادة تفعيل النظرية الاجتماعية أهم ما يمكن أن تبتدره حماس خلال المرحلة المقبلة، فالحركة بأمس الحاجة إلى استعادة الرصيد الشعبي الذي انزوى عنها خلال سني الحصار والانقسام الأخيرة، والعمل مجددا على نشر فكرها الوسطي وبرنامجها الواضح وثقافتها الأصيلة في واقع المجتمع، ولن يتأتى ذلك إلا عبر إعادة ترميم العلاقات ونسج آليات وخطوط التواصل مع الناس من جديد.

لا نقدح في مكانة وأهلية حركة فتح، لكن سقوط برنامجها السياسي وعدم توفر ما يشير إلى جنوحها حتى اللحظة إلى مقتضيات ودواعي الإصلاح السياسي والوطني، من شأنه أن يحصرها في زوايا الماضي المجيد والتغني بأناشيد الثورة التليدة فحسب، ويعبّد الطريق أمام التفاف جماهيري أوسع مدى حول برنامج حماس ورؤيتها السياسية.

إعادة صياغة العلاقة مع الناس بداية الطريق. 

البث المباشر