قائمة الموقع

مقال: المصالحة المطروحة.. خطوة على الطريق

2013-01-24T10:50:32+02:00
مؤمن بسيسو

تفاؤلنا بالحراك الدائر بخصوص المصالحة لا يعني غفلتنا عن طبيعة العقبات التي تتربص بها، وحقيقة المخاطر والتحديات التي تواجه كياننا الوطني ككل.

إعمال العقل والمنطق في أوراق المصالحة ومواقف الفرقاء يجزم بصعوبة اجتياز عتبة الانقسام الكارثية إلى آفاق الشراكة الوطنية الرحبة بين عشية وضحاها، بل ويقطع بأن الإرادة السياسية لدى البعض لم تتوفر بعد لجهة الذهاب إلى ما هو أبعد من مجرد تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات.

إدراكنا بمحدودية المصالحة وقصر مفهومها لدى البعض لا ينفي ضرورة السعي الجاد لإنجازها وتوسيع رقعتها والضغط لتحويلها إلى مصالحة نوعية ترتقي إلى مدارج الشراكة الكاملة، وما لم يتصاعد الحراك الشعبي الداعم للمصالحة ويتحول إلى بؤرة تأثير قوية وفاعلة ذات نسق مؤسساتي، فإن الإرادة الفصائلية القاصرة سوف تفرض رؤيتها على الساحة الوطنية، وترسم تضاريس المصالحة والتوافق بما يتفق مع هواها الحزبي ومصالحها الخاصة.

الأسئلة القلقة التي تفرزها الحوارات والاتفاقات الأخيرة حول المصالحة مشروعة من الألف إلى الياء، والمخاوف التي يثيرها الغيورون والمخلصون في مرحلة ما بعد التوقيع البروتوكولي جدّ حقيقية، وأحرى أن يتم مناقشتها على أرضية وطنية وموضوعية، وأن يتم بلورة رؤى واضحة حول البدائل والسيناريوهات الخاصة بالمرحلة القادمة كي لا نُفجع بانتكاسة جديدة في مجرى العلاقات الفصائلية قد تعيد جهود المصالحة إلى الوراء.

ملفا الأمن ومنظمة التحرير يعتبران الأخطر بين كل ملفات المصالحة على الإطلاق، وكل الأحاديث التي تتناول أمرهما غير مطمئنة بالمعنى السياسي والوطني، وتعمل على ترحيلهما إلى مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات الموعودة.

العقل السياسي لا يمكن أن يلغي موضوعيته كي يصدق جدية الرئيس محمود عباس حيال الرغبة في تطوير وتفعيل منظمة التحرير أو إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أساس وطني ومهني، فالرجل لا زال متعلقا بأهداب برنامجه السياسي العبثي الذي أكل عليه الدهر وشرب، ولا زال منسجما مع الالتزامات الأمنية المنصوص عليها في اتفاقات أوسلو التي داستها جنازير دبابات الاحتلال وفجرتها صواريخ طائراته وطوت صفحتها دماء الشهداء العظام: الياسين وعرفات والرنتيسي والشقاقي وغيرهم.

كي نتنسم عبير الإنجاز وتحقيق الأهداف الوطنية ينبغي أن تكون أهدافنا واقعية وذات بعد مرحلي، وأن نُحسن التمييز بين الأهداف الاستراتيجية ذات الصلة بمفاهيم التحرر الوطني، وبين الأهداف التكتيكية التي تحاول تقويم الحال والمسار، وتصحيح الأخطاء والخطايا، وإخراج الوضع الفلسطيني من نفق الأزمة الحادة التي يعيشها بفعل تداعيات الانقسام كما تهاوي البرنامج السياسي لفتح والسلطة على حد سواء.

الطريق إلى المصالحة الحقيقية لا زالت طويلة، وما نشهده اليوم يعبّر عن اتجاه نحو مصالحة محدودة الفهم والأثر، يُنتظر منها أن تُنهي رسميا مرحلة الانقسام دون الإجهاز على كافة أدوائه وإشكالياته بشكل مبرم ونهائي.

المصالحة المطروحة تشكل خطوة على الطريق، لكنها غير كافية على المدى المتوسط، ومن الضروري استمرار البناء عليها وتوسيع مفهومها كي تطوي تماما صفحة الأزمة الفلسطينية الداخلية، وتعيد صياغة الواقع الفلسطيني داخليا وخارجيا، وتُرسي أرضية الانطلاق نحو النصر والتحرير بإذن الله.

اخبار ذات صلة