قائمة الموقع

تحقيق للرسالة":10آلاف $ ثمن الموت بالأنفاق

2013-01-31T16:42:21+02:00
أحد أنفاق غزة
غزة - لميس الهمص

يبدو أنه مكتوب على العاملين في الانفاق أن يدفنوا مرتين في باطن الأرض، اولها بإرادتهم بحثا عن لقمة عيش، وثانيها تفاجئهم بغتة عندما يطبق النفق على انفاسهم.

وما بين هذه وتلك تبقى حقوق العاملين في الأنفاق تائهة بعيدا عن أي قانون يكفل الحد الأدنى من الضمانات لمن يقضي معظم ساعات يومه تحت الرمال.

كثيرون فقدوا حياتهم في الانفاق لم يذكر أحد أسماءهم، وبعضهم لم يجد ثمن الكفن، ومنهم من ترك وراءه عشرات الافواه البريئة التي تأكلها قسوة الفقر.

"

ضحايا: ليس هناك أي قانون يكفل حقوقنا

"

ومع تزايد حالات الوفاة حاولت "الرسالة" التنقيب مع عمال الأنفاق عن مصيرهم المجهول لتكتشف أن ثمن حياتهم عشرة آلاف دولار فقط.

ضحية الابتزاز

لم تستطع حنين خضر أن تكمل فرحتها بلباس الثوب الأبيض الشهر المقبل.. حلم حنين بالاستقرار قضى عليه كابوس وفاة والدها في نفق منتصف الشهر الجاري ما شكل لها صدمة هي واخوتها السبعة.

حاول والدها بسام خضر -41 عاما- أن يوفر لها واخوتها متطلبات الحياة بالعمل في تجارة الموت، فقضى ضحية لابتزاز صاحب النفق الحدودي الذي كان يعمل به.

ثمانية أيام قضتها عائلة المتوفى على أمل العثور عليه بعد فقدان أثره هو وزميله في أحد الأنفاق الحدودية بمدينة رفح.

وتقول منى خضر ابنة شقيق الضحية: تصادف يوم فقدان عمي مع غرق حي الجنينة فلم تكن هناك أمكانيات للدفاع المدني للعمل في المنطقتين، وخروج أحياء من النفق اعطانا أملا بالبحث حتى على حسابنا.

وتضيف: فقدنا أثر عمي يوم الأربعاء، حاولنا استئجار جهاز للحفر على حسابنا لكن دون جدوى.

لجأت العائلة بعد استشارة المختصين لاستئجار عمال خبراء في حفر الأنفاق بتكلفة تزيد عن خمسة وعشرين ألف شيكل حتى تمكنت تلك الطواقم من العثور عليه بعد مضي ثمانية أيام، جثة هامدة دون ملامح وتعرفت الزوجة عليه عن طريق ملابسه.

وتصر خضر أن عمها قضى ضحية لنصب مالك النفق الذي عمل به، فعلى الرغم من السيول والأمطار إلا أنه أجبره على النزول في النفق للعمل لأخذ أجرة اليوم ومستحقاته عن الأيام السابقة التي عمل بها، وما يزيد من امتعاضها ان صاحب النفق حر طليق خارج السجن.

"

حقوقيون: يجب تطبيق قانون العمل الفلسطيني على عمال الأنفاق

"

وتقول خضر ان النفق الذي قضى فيه عمها كان من الأنفاق المهجورة وغير المؤمنة، كما ان العائلة عانت في سبيل الوصول لاسم صاحب النفق الحقيقي.

وبنبرة عتب تابعت خضر: ألوم الحكومة التي لم تمنع مالكي الأنفاق من العمل في ذلك اليوم الماطر، حتى أنها لم تقم بواجب العزاء تجاهنا كنوع من التكافل والتضامن مع عائلة الفقيد، كما أن العاملين يحتاجون لضمانات تكفلهم في حالة الإصابة أو الوفاة.

غياب القانون

من جانبه قال المحامي حازم هنية الباحث الحقوقي في دائرة السياسات والتشريعات بالهيئة المستقلة لحقوق الانسان إن مؤسسته بدأت بدراسة القضية من العام 2009م عندما باتت تتحول قضية الوفاة بالأنفاق لظاهرة.

ورصدت الهيئة الاوضاع في الانفاق منذ العام 2007م وحتى منتصف العام 2012م، مشيرة إلى أن عدد الوفيات بلغ حتى تاريخ أمس 196 حالة وفاة.

وذكر هنية أن ما دفعه للبحث في القضية حالات الوفاة التي تعد انتهاكا للحق في الحياة وضرورة حماية هذا الحق، بالإضافة للشروط والظروف الموجودة بالأنفاق ومدى ملاءمتها لسلامة العاملين خاصة بعدما تحولت الانفاق لبديل اقتصادي تحت مسؤولية الجهات الحكومية.

وأكد الحقوقي أن الدراسة خلصت إلى أن الشروط والظروف في الأنفاق تتنافى مع الحقوق الدنيا للعامل في ظل غياب أي شرط تأميني أو ضمانات.

"

العمل: بصدد إيجاد آليات للحفاظ على حقوق العاملين بالأنفاق

"

وطالب بخلق قواعد استثنائية للتعامل مع الأنفاق والعاملين فيها وحماية حقوقهم، كونها حدث استثنائي وبديل إجباري ساعد على الصمود، مشيرا إلى ضرورة تصنيف العمل في الأنفاق من الاعمال الخطرة كعمال المناجم الذين يتقاضون رواتب عالية ولديهم ضمانات اجتماعية تتناسب مع حجم الخطر الذي يتعرضون له.

وبيّن أن العاملين بالأنفاق ليس لديهم ضمانات اجتماعية ولا اقتصادية ولا قانونية، قائلا: كل ما يقدم للمصابين هو العلاج, وللمتوفين مبلغا ماليا كدية لا تعبر عن الشرع ولا القانون.

وانتقد المحامي غياب آليات مراقبة ومتابعة حقيقية للأنفاق في قطاع غزة، على الرغم من معرفة الحكومة بهياكلها المختلفة، وبأماكنها وأعدادها والعاملين فيها.

وبحسب هنية فإن اشتراط تسجيل كل صاحب نفق لدى بلدية رفح ودفع مبلغ مالي مقابل تمديد خطوط كهرباء وبعض الخدمات الإضافية للأنفاق، يوجب على البلدية القيام بدور أكبر في متابعة الأنفاق ومراقبتها، ويوجب أيضًا وضع عدة معايير أخرى تضمن من خلالها توافر الحد الأدنى لشروط وظروف الأمن والسلامة الشخصية.

وصرح انه من الضروري متابعة مهندسون مختصون توصيلات الكهرباء داخل الأنفاق، خاصة في ظل تزاد عدد الوفيات جراء الماس الكهربائي داخل النفق.

وذكرت دراسة الهيئة أن وجود الأنفاق أنتج علاقات إنسانية واجتماعية ورسمية خارجة عن التنظيم والبناء القانوني في المجتمع، ما عزز استغلال حاجة المواطن الغزي للعمل في ضوء ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وإقباله على عمل قد يودي بحياته مقابل توفير متطلبات المعيشة بحدها الأدنى.

وأوصت الهيئة بضرورة قيام السلطة الوطنية بالضغط على المجتمع الدولي لرفع الحصار الاقتصادي عن قطاع غزة، بما يضمن دخول جميع السلع والبضائع، والمواد الأساسية، ويعتبر ذلك التزامًا قانونيًا يجب على المجتمع الدولي القيام به، خاصة الدول الموقعة والملتزمة باتفاقيات وقانون حقوق الإنسان.

"

الداخلية: شكلنا لجنة لمتابعة الانفاق وحقوق العاملين

"

ودعا هنية الحكومة في غزة إلى القيام بمسؤولياتها في مراقبة ومتابعة الأنفاق ومنع انتشارها، ومعالجة الآثار والنتائج المترتبة عليها وفق القانون، حيث إن مبدأ الضرورة والظروف الاستثنائية لا يعفي الحكومة من القيام بدورها في حماية حياة المواطنين وحقوقهم.

وطالب بإيجاد آليات استثنائية لحماية المواطنين أثناء عملهم وتجنيبهم المخاطر قدر الإمكان، مع وجوب اتباع آليات لتعويض المتضررين طبقًا للقانون على اعتبار أنهم يسهمون في تخفيف حدة الحصار المفروض على قطاع غزة.

وشدد على ضرورة تطبيق قواعد ومعايير قانون العمل الفلسطيني على عمال الأنفاق، بالإضافة إلى وجوب توافر متطلبات الأمن والسلامة الشخصية، بما يضمن الحد من الانتهاكات الناتجة عن العمل في الأنفاق.

وشدد على ضرورة وجود جهة ترعى حقوق العمال، وتضمن تقاضيهم يومياتهم دون التعرض للابتزاز والاستغلال، علاوة على ضرورة تحديد ساعات العمل بما يتناسب مع طاقة العمال الآدمية.

ودعا هنية إلى تقليص الانفاق لحدها الأدنى خاصة بعد الحلحلة التي شهدتها المعابر الرسمية.

أكل الحقوق

حياة جديدة كتبت لـ"محمد" اسم مستعار لاحد العاملين في الانفاق بعد تعرضه للاختناق بالبنزين داخل أحد الأنفاق هو وزميله.

العشريني محمد مازال يصر على العمل في الانفاق حتى بعدما رأى الموت بأم عينه, كما يقول, إلا أن غياب البدائل ووضع عائلته الصعب وفقدان والده لمصدر رزقه كلها أسباب تلتف كالحبل حول رقبته للاستمرار في العمل داخل الانفاق.

لم يخف محمد أن هناك عددا من الانفاق خارج الحدود ولا تعرف عنها هيئة الأنفاق وتقدر بـ70 نفقا تستخدم لتهريب الممنوعات، واصفا العمل فيها بالمخيف لفقدانها شروط السلامة والأمن.

ويقول : خلال موجة البرد السابقة تعرضت أكثر من 75% من الأنفاق للأضرار الجزئية فيما لم يعد عددا منها صالح للعمل وتوفي 3 عمال داخل تلك الأنفاق.

وعن استغلال بعض أصحاب الأنفاق للعمال قال محمد : يتقاضى العامل 25 شيكلا على كل طن ينقله رغم أن الكميات غير موزونة.

ويضيف: الكثير من أصحاب الأنفاق يلجئون لخلق المشاكل بينهم وبين العمال بعد ثلاث او اربع ساعات من العمل لحرمانهم من اليومية المستحقة لهم، مؤكدا أنه لا يوجد قانون يحكم العلاقة بينهم وبين صاحب النفق.

ويشير إلى أنهم في حال الاصابة داخل النفق يلجأ صاحب النفق لعلاج المصاب فقط دون الإلتزام بالتعويض حتى وان تعرض لعاهة مستديمة، سوى في بعض الحالات التي يلتزم بها صاحب النفق ككرم منه، أما في حالة الوفاة فإن صاحب النفق يدفع مبلغ 10 آلاف دولار كدية لأهل المتوفى.

من جانبها قالت وزارة العمل على لسان مسؤول العلاقات العامة فيها نبيل المبحوح لراديو "الرسالة": إن الاحتلال وحصاره والاتفاقيات الاقتصادية التي حددت سلطات الاحتلال المسؤول عن دخول البضائع هو المتسبب الأول عن ضحايا الانفاق.

واعتبر المبحوح الانفاق ظاهرة طارئة لا تستطيع الحكومة شرعنتها، مشيرا إلا أنها تزول بزوال المسبب وفتح الطرق البديلة.

وذكر أن وزارته تعمل على نشر الوعي بين العاملين بأسس السلامة بالقدر الكافي، مبينا أن الحكومة شكلت لجنة لمراقبة الأنفاق وفرض تعويضات للمصابين وحالات الوفاة، منوها إلى أن الكثير من الحالات حصلت على تعويضات.

وبحسب المبحوح فإن وزارته تحوي إدارة خاصة مهمتها التفتيش وحماية العمال وتوجيههم للجهات القانونية لأخذ حقوقهم كالمحاكم حتى وان كانوا مصابين من منشآت رسمية أو غير رسمية، ذاكرا أنهم بصدد طرح آليات للحفاظ على حقوق العاملين بها في ظل استمرار الانفاق.

التشريعي يراقب

وتختلف تسعيرة العامل داخل النفق عن خارجه بحسب "اياد" والذي أصيب بكسر في رقبته جراء سقوط جسر النفق على رقبته جراء انهيار جزء من النفق أو "سفّق" بلغة الانفاق.

اياد الذي اصيب بعاهة مستديمة في رقبته وهو في سن العشرين لم يتلق أية تعويضات من مالك النفق، الذي اكتفى بدفع تكاليف علاجه، مبينا أن اهتمام هيئة الحدود والمعابر تكون بالأكثر على الانفاق الخاصة بعبور الأشخاص.

وأفاد أن بعض مالكي الانفاق يستغل ارتفاع الاسعار في الظروف الاستثنائية كالحرب والمطر ويبتز عماله للدخول والعمل في الانفاق، مبينا بأن النفق يحتاج لثمانية عمال كحد أدنى للعمل به.

ويقول إياد: زادت متابعة الهيئة للأنفاق خلال الستة أشهر الماضية بعد تزايد الانهيارات والوفيات فباتت تلزم اصحاب الانفاق بتمديد خطوط الكهرباء داخل عوازل.

وتبلغ يومية العامل في الانفاق ما بين الثمانين إلى مائة شيكل فقط بينما تزداد ساعات العمل عن 12 ساعة يوميا.

ويلجأ الشبان في سن العشرينيات للعمل في الانفاق من جميع محافظات القطاع إلا أن شهود العيان يذكرون أن العدد الأكبر من العمال يقطنون شمال القطاع.

"
التشريعي: نراقب العمل ووجهنا الحكومة للعديد من التجاوزات"

من جانبه قال عضو لجنة الرقابة النائب يحيى العبادسة أن لجنته راقبت القضية وأصدرت أول تقرير مفصل بالعديد من تجاوزات العمل في الانفاق، مشيرا إلى أنهم أرسلوا التقرير للحكومة والتي بدورها تعاطت معه بالشكل المطلوب.

وذكر أنهم طالبوا بسلامة البضائع وكذلك ضمان سلامة الأفراد من خلال سلامة التهوية والإضاءة، مبينا أن وزارة الداخلية شكلت لجنة لمتابعة شكاوى العمال وللرقابة على الانفاق.

وبين أن العمل في الانفاق هو تحت الارض وفيه مخاطر كبيرة لا يمكن لأحد ضمانها ولكن يمكن تقليل تلك المخاطر بإغلاق العديد من الثغرات.

وحمل العبادسة الاهالي جزءا من المسؤولية في حال أرسلوا أبناءهم للعمل في الانفاق كما أن المجتمع الدولي والتشريعي والحكومة تتحمل جزء من المسؤولية.

من جهته قال إسلام شهوان الناطق باسم وزارة الداخلية أن الانفاق جاءت كأمر واقع بديل عن المعابر التجارية، وحتما سيجري اغلاقها في حال رفع الحصار ووجود منطقة تجارية حرة ولن يسمح بالتعاطي مع الحالة الطارئة، مشيرا إلى أنه تم التعامل مع القضية كأمر واقع وشكلت لجنة المعابر الحدودية والأنفاق لتدبير أمور العاملين فيها.

وصرح أن لجنة المعابر والحدود تتبع للداخلية ولا تسمح بحفر أي نفق إلا بموافقتها لترتيب الأمور والأوضاع خصوصا في ظل وجود 900 نفق في المنطقة وهي ليست بحاجة لأنفاق جديدة.

وأكد أن العمل مضبوط ضمن رؤية تشرف عليها وزارة الداخلية، مشيرا إلى أن اللجنة تحوي عنصرا أمنيا واقتصاديا وعنصرا قضائيا لفض وحل النزاعات بين العاملين واصحاب الأنفاق.

ولفت إلى أن ضحايا الانفاق تعدهم الحكومة من الشهداء وتقر لذويهم مبالغ مالية.

الأعداد تتزايد

وذكرت إحصائية أصدرها مركز الميزان لحقوق الإنسان، أن الانفاق المنتشرة على الحدود بين قطاع غزة ومصر، حصدت أرواح 232 مواطنا منذ عام 2006 وحتى اليوم، محذرا من تصاعد أعداد الضحايا جراء -ما قال عنه المركز- استمرار غياب اتخاذ تدابير من شأنها الحد من سقوط الضحايا وحماية العاملين فيها.

وأوضحت الإحصائية أن "20 مواطناً استشهدوا في الانفاق بسبب القصف (الإسرائيلي) عليها طيلة السنوات الماضية، فيما قتل 9 أطفال بداخلها، وبلغ عدد المصابين من بين العاملين 597، منذ عام 2006 وهو العام الذي بدأت فيه ظاهرة الموت داخل الأنفاق".

وأضاف بيان المركز "في حادث يشير إلى مدى العشوائية وعدم الالتزام بتدابير وإجراءات الأمن والسلامة للعاملين في الأنفاق أغرقت مياه الأمطار الغزيرة أنفاق التهريب في رفح وتسببت في انهيارات في التربة، وكان يفترض إغلاق الأنفاق بشكل تام في وقت كهذا حيث غرقت عشرات المنازل في رفح فكيف بالأنفاق؟ وقد تسبب الحادث الأخير في مقتل ثلاثة تمكن الدفاع المدني من استخراج جثتين متحللتين فيما فشلت حتى صدور هذا البيان محاولات استخراج الجثة الثالثة كما أصيب 8 أشخاص ممن احتجزوا داخل الأنفاق".

وأعرب مركز الميزان لحقوق الإنسان عن "أسفه الشديد لاستمرار سقوط الضحايا ممن دفع الفقر والفاقة للمغامرة بحياتهم من أجل لقمة الخبز والمخاطرة بالعمل في الأنفاق"، مطالباً الحكومة باتخاذ التدابير كافة التي من شأنها أن تحمي العاملين في الأنفاق وتحول دون سقوط المزيد من الضحايا.

وأكد المركز على أن ظاهرة استمرار العمل في الأنفاق أصبحت بحاجة إلى مراجعة من قبل الحكومة، والبحث في جدوى استمرار العمل فيها في ظل استمرار سقوط الضحايا وتراجع دورها في الإسهام في عجلة الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة وتأمين حاجات السكان.

اخبار ذات صلة