بإمكان وسائل الإعلام ارتقاء ذرى المجد المهني والأخلاقي وأداء رسالتها المهنية والوطنية البناءة وفق الأصول القيمية ومواثيق الشرف الحاكمة لعمل المهنة، وبإمكانها -أيضا- أن تلعب دورا هداما ينشر الفتنة والسوء ويشيع الفوضى والتحريض في الواقع والمجتمع ويهبط برسالتها الخلاقة إلى أسفل سافلين.
في فلسطين انزلقت وسائل الإعلام إلى درك هابط فترة من الزمن على إيقاع الخلاف السياسي والفصائلي والانقسام السياسي والجغرافي على الساحة الفلسطينية، ولا زال بعضها يخون الأمانة المهنية ويحيد عن معايير الصدق والموضوعية رغم تصاعد فرص المصالحة والتوافق الوطني في الآونة الأخيرة.
داء الانحطاط الإعلامي ليس حكرا على الساحة الفلسطينية أو ساحة بعينها، فالساحة المصرية تعيش انحطاطا إعلاميا غير مسبوق، وتفرض ذاتها كزعيم حصري وموجّه أول على امتداد الساحة الإعلامية العربية يتفنن في اجتراح كل أشكال الهدم والتخريب والإفساد وقتل القيم ومحاربة الحقائق التي بلغت في دناءتها وقذارتها حد "الأبلسة" التي لا يؤمل منها رجاء ولا يُرتجى معها خير.
لم تكتفِ العديد من وسائل الإعلام بالبصاق على الثورة المصرية المجيدة، وإبداء مشاعر الحنين إلى النظام الاستبدادي السابق، والانقلاب على القيم الدستورية والمبادئ الديمقراطية، ونسف مفاهيم الوفاق وثقافة التعايش السياسي المشترك، وتشريع الدمار والتخريب، وتكريس العداء بين الإسلاميين والعلمانيين، وتنفيذ الأجندة الخارجية المعادية، بل أضافت إلى هذا السجل الأسود انحطاطا آخر عبر إقحام الفلسطينيين، وتحديدا حركة حماس، في أتون معركة الانقلاب على الثورة والشرعية في مصر الحبيبة.
ليست هذه المرة الأولى التي يضع فيها الإعلام المصري المنحط غزة وأهلها في دائرة الاستهداف، إلا أن الأوضاع الراهنة تكتسب خطورة كبرى وحساسية عميقة بفعل الارتباط الأيديولوجي بين حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين الحاكمة، وهو ما قد يترك آثارا خطيرة ذات صبغة استراتيجية على الوجود الفلسطيني في مصر، وعلى حاضر ومستقبل العلاقات بين الطرفين.
لا يمكن التقليل من خطورة السموم التي تنفثها الماكنة الإعلامية الدعائية الموالية لنظام مبارك البائد على الساحة المصرية، إذ استطاع الإعلام المضلل إشاعة أجواء من الإرباك والتحريض ضد حركة حماس وأهالي غزة، والتأثير على قناعات بعض الأوساط المصرية التي اكتوى وعيها بفعل قوة الدعاية المضللة وتواتر الروايات الخبيثة المحبوكة.
ما يجري في مصر يعبر عن مخطط بالغ الخبث والقذارة والانحطاط تشترك في نسج فصوله السوداء جهات داخلية وخارجية تتكامل أدوارها الفاجرة لإحباط تجربة الإخوان في الحكم، وليست المخابرات (الإسرائيلية) والأمريكية وبعض أجهزة المخابرات العربية إلا أدمغة حاقدة تعبث في ثنايا وتفاصيل المشهد المصري الراهن عبر أدوات داخلية ساقطة جعلت من مصالحها الشخصية وأجنداتها الخاصة فوق كل اعتبار.
ومن هنا فإن مواجهة مسلسل الانحطاط الإعلامي المصري تستدعي اليقظة التامة لأبعاد المخطط الراهن والعمل على فضحه بشكل حكيم وهادئ وموزون بعيدا عن ردات الفعل الانفعالية، وتفكيك ألغامه واحدا واحدا عبر إعلاء شأن الحقائق الساطعة والوقائع الموضوعية، واستقطاب ما يمكن استقطابه من وسائل الإعلام العربية لدحر الهجمة الشرسة ووضع الأمور في نصابها الصحيح.
المعركة مع الإعلام المصري الأسود بصورته الحالية ليست سهلة، وتحتاج إلى جهود واسعة وطاقات كبيرة وإمكانيات ضخمة، فضلا عن احتراف في الأداء الفني وتوسيع للرؤى السياسية والآفاق المهنية القادرة على مواجهة أبالسة الإعلام المضلل وهزيمة الشر والسواد والانحطاط.