أصبح المسجد الأقصى وحائط البراق مادةَ تنظيرٍ أساسية في الحملات الانتخابية للكيان الصهيوني يُبدأ بها يوم الانتخابات؛ لعلها تكون تعويذة جلب الأصوات للمرشحين، وليكون تدمير الأقصى والتطرف اليهودي عنوان التنافس الحزبي وبوابة الكنيست. وليس غريباً أن يُنتج التطرف اليهودي فيلماً يُحاكي تدمير قبة الصحرة وبناء الهيكل بعد ٤٤ سنة من إحراق الأقصى في استعراض للقوة والتحدي للمسلمين، ولكن الغريب أن تُنتج فضائية الأقصى بحسن نية فيلماً يحاكي تدمير جدران الأقصى يُبث مع كل أذان يشاهده العالم في اليوم خمس مرات، ترى فيه الفضائية نداءات استعطاف أو تحفيز العرب للنجدة وأرى فيها تمارين استمراء لسيناريو تدمير الأقصى نتعود على منظره فلا نرى غرابة في وقوعه.
وكما يقولون في علم الحروب: النصر يجلب نصراً والهزيمة تجلب هزيمة والاستعطاف يجلب الهوان، فقد رأينا في غزة أن الوفود العربية والاسلامية لم تأتها إلا بعد انتصارات مبينة وصفقات تبادل عزيزة، وان فترات الاستعطاف والولولة من الحصار والجوع لم تجلب لغزة الا التعاطف والبكاء من نساء العرب ورجالهم.
ولعل أشد ما يؤلم (إسرائيل) أنَّ كل دول العالم تتحدث عن أمنها القومي والحفاظ على استقرارها و(إسرائيل) تتحدث عن بقائها وكينونتها ككيان طارئ، وستبقى عقدة زوال كيانهم تلاحقهم كما زعموا بزوال هيكلهم، وكان الأجدر بفضائية الأقصى أن تنتج فيلماً تمثيلياً يُحاكي بكل مهنية زوال (إسرائيل) بكينونتها ويترجم حالة العودة الفلسطينية الى المدن والقرى الفلسطينية كما ترجم مسلسل التغريبة حالة اللجوء الفلسطيني بمهنية فائقة الجودة، ويظهر حالة الفرار (الإسرائيلي) الى الشتات ووفود الفاتحين من العرب والمسلمين عبر سلسلة من الانتصارات وحروب العصابات والاجتياحات العربية للحدود ويترجم الفيلم قرار مجلس الأمن الدولي بحل دولة (إسرائيل) وتوزيع أطفالها وعواجيزها على الدول العالمية، ولا يغفل لقطات تظهر مظاهرات شعبية لفرنسا مثلاً أو النرويج ترفض استقبال الهاربين، أو لقطات لمذكرات زعماء الغرب تعتذر للمسلمين عن دعمها للكيان، ولقطات حزينة لمخيم الشاطئ يخلو من السكان بعد عودتهم للجورة والمجدل وحمامة وبيت دراس ولا يخلو الفيلم من طوابير اليهود مستسلمين للمجاهدين في انتظار قرار القيادة، في الوقت الذي يقف فيه طوابير السكان يحملون "كواشين الطابو" لتحديد أرضهم، وربما لقطة مؤثرة لعروس من حي الزيتون تترك أهلها مع زوجها الى يافا بعد أن وعدها بزيارة غزة كل شهر، ولا يغفل الفيلم حالة الدمار التي خلفتها الحرب ومؤتمرات اعادة الاعمار والاستفادة من الركام والاحتياط في التعامل مع مفاعل ديمونا ولقطات فكاهية لقادة يهود يتخفون بثوب مجدلاوي يكتشفهم أهل يبنا.