مالِكُ سيارة الأجرة.. ديكتاتور لا يطيحه ثورجي

سيارات أجرة في غزة
سيارات أجرة في غزة

الرسالة نت- محمد أبو زايدة

يجلس محمد شعبان (42عاماً) خلف مقود السيارة ما يزيد عن عشر ساعات، جار عليه الزمان، بعد حكايته تحت عنوان "كان يا ما كان"، ومصنعه الذي أوقفه الاحتلال، أصبح أجيراً يعمل لحساب شخص على سيارة أجرة، يجبره على دفع 80 شيقل يومياً، بغض النظر عما عمل به نهاية يومه.

همُّ شعبان الأكبر أن يجمع ما يزيد عن 80 شيقل، ليضعها في يد مالك السيارة نهاية اليوم، وما بعد هذا الرقم يصبح حلالاً له، يجمع به قوتاً لأطفاله الثمانية، حتى يساعدهم في البقاء على قيد الحياة، كما هو متفق عليه.

مالك السيارة لا يعنيه إلا أن يحصل على المبلغ المطلوب، راتباً ثابتاً سواءً أخرجت السيارة حصادها، أم استمر العامل يدور عليها ليل نهار ولم يخرج نصف المبلغ المطلوب إحضاره.

ودارت الأيام

"الوضع الذي أنا عليه أجبرني على العمل، حتى أوفر قوتاً لأطفالي"، ردد شعبان هذه العبارة مرات عدة، خلال جلسة لم تتجاوز العشر دقائق، ويضيف " بعدما كنت أملك مصنع خياطة لأكثر من عشرين عاملاً، أصبحت أجيراً عند الناس".

يخرج شعبان في أيامه من الساعة السادسة والنصف صباحاً، حتى العاشرة مساءً، ويسمح لنفسه أن يأخذ قسطاً من الراحة والغداء مدته ساعةً واحدة، وكل ذلك في سبيل أن لا يقل المبلغ عن ثمانون شيقل كما هو متفق مع رب العمل.

اشتغل تربح

حالة الخريج الجامعي حاتم نوفل (27عاماً)، لا تختلف كثيراً عن سابقه، فقسوة الحياة أخضعته للعمل تحت راتب غير معلوم، يوماً يكون "50 شيقل"، ويعمل بعض الأيام دون أن يحصل على قوت يومه.

" يعاملوننا مثل من اشترى سمكاً في البحر"، قالها نوفل وهو يحدق في طريقه، تحسباً من وقوع حادث، وبدأت نبرات صوته تأخذ منحى آخر، تعلو وهو متجهم الوجه "من يطلب أن أعطيه نهاية اليوم مبلغاً محدداً، لا يشترط عليّ فهو يشترط على الله".

عجباً.. يرفض الفكرة ويُجبر أن يعمل وفق شروطها، إلا أنه يرد على ذلك قائلاً " تخرجت من الجامعة عام 2008، وطرقت جميع الأبواب، إلا أنني بقيت بلا عمل لسنوات، حتى خجلت أن أطلب مالاً من أهلي، وأجبرت للعمل سائقاً".

" يالله قاعدين وقاعدين سواء بالبيت ولا بالسيارة كلو واحد" وينتهي اللقاء مع نوفل بعبارته " لو صح إلنا كم شيقل أهون من أن يقولوا عاطل عن العمل".

مكر السائقين

الحيرة دفعت "الرسالة نت" لتتوجه صوب أحد ملاك السيارات، الذين يضعون شروطاً على العاملين، فالتقت بالمواطن ناصر شاهين (51عاماً)، يملك أربع سيارات، ويجلس في بيته منتظراً نهاية اليوم ليبدأ عدَّ أموال عماله.

قناعة شاهين في إجبار العامل دفع مبلغٍ ثابت، برأيه يحفز السائق على العمل أكثر، ما يجعله يأخذها قاعدة تطبق على الجميع.

وعند سؤاله عن عدم قبوله بآلية العمل التي تنص على " ثلث للعامل، وثلثين لمالك السيارة"، وإجبار السائق على دفع مقدار معين وثابت نهاية الدوام، نظر والشرارة تفور من عينيه، قائلا " تريد أن أكون ألعوبة لهم، أم تريدهم أن يسرقوني، أنا لا أضمن مكر السائقين".

ويضيف شاهين" أعمل في هذا المجال منذ عشر سنوات، وإن وافقت على الثلثين فلن أضمن أن تغري النقود العامل.. فيسرق، أما بإجباره على دفع يوميته، يكون همـّه إحضار المبلغ المطلوب".

تعدي على الشريعة

وترفض الشريعة الإسلامية الشروط المسبقة على عمل غير مضمونة نهايته، موضحةً أنه يمكن وقوع ظلم على العامل في عدم تحصيله المبلغ المشترط عليه، أو يكون واقعاً على مالك السيارة في حال حصل السائق على أجرٍ أكثر مما يستحق.

د. ماهر الحولي عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية أوضح أن اشتراط مالك السيارة على الأجير بمبلغ معين فيه "اجحاف"، لأنه يتعدى على الغيب، والرزق الذي قسّمه الله لعباده.

الحولي أكد أن تحديد الرزق بيد الله ونسبة الأجير يجب أن تكون معلومة، محذراً من التعدي على المقاصد الشرعية لنزوات الدنيا، لما لها من كبائر يوم القيامة.

ويبقى جشع مؤجرو السيارات, وقلة ثقتهم في عمالهم، يجبرهم على الدخول فيما حرم الله، " إلى متـــى ؟!". يتساءل السائقان شعبان ونوفل.

البث المباشر