قائمة الموقع

عمود الرأي بصحف غزة يحن لـ "ثرثرة" النساء !

2013-02-06T11:43:22+02:00
صورة من الارشيف
غزة - أحمد الكومي

استيقظ وسام باكراً، استحمّ، حلق ذقنه، وجلس بشرفة المنزل يحتسى القهوة "عذراء الصباح الصامت" كما يصفها محمود درويش. وكونها لا تُشرب على عجل، أخذ يقلب ورقات صحيفة "الرسالة" وموطنها غزة.

ملَّ السياسة سريعاً، فأخذ يقرأ ما حملته الصفحة الثقافية من قصص قصيرة وأشعار خطتها أيدٍ أنثوية، وفي الصفحة المقابلة، لفت انتباهه عمود رأي لامرأة، بعنوان ثابت (لازم نتغير).

"بالعادة، يُسيطر الرجال على أعمدة الرأي في صحفنا المحلية، لاسيما صحيفتي فلسطين والرسالة، واسعتي الانتشار بغزة، والمرأة في عُرف الكتابة الصحافية غائبة نسبياً، ما القصة؟!" يتساءل وسام.

"لا بأس" قالها وشرع بقراءة العمود حتى أنهاه وعرف تماماً "من أين تؤكل الكتف؟!" عنوان المقالة.

وضع وسام الصحيفة جانباً، وأرخى جسده على الكرسي الهزاز، وراح يمعن النظر في سحابة يتيمة بحضن السماء، يفكر في المقالة والكاتبة من غير جنس الرجال، يتساءل: "أين نساؤنا من أعمدة الرأي؟، يُجِدْنَ الثرثرة فقط، ولا يفكرن البتة في كسر احتكار الرجال لمنابر الإعلام .. عجيب أمرهن" !

وانخرط وسام في حوار مع ذاته، تارة يهاجم المرأة، وتارة أخرى يعنِّف الرجال، وأنهى الصراع في باطن عقله، قائلاً: "زمن البدايات عندما كان الرجل يقول للمرأة إن مكانك المطبخ انتهى، والرجل الآن متعاون وأكثر تفهماً".

الكتابة بمزاج

العُرف السائد بين الناس أن النساء "ثرثارات"، وكتابة المقالة اليومية تفرض من الكلام ما قلَّ ودل، وفي الوقت نفسه تتطلب نَفَسَاً طويلاً والتزاماً يومياً، قد لا يتلاءمان مع طبيعة المرأة، التي تفضل نَظْم الشعر وتأليف القصص القصيرة والروايات، أيّ الكتابة بمزاجها الخاصّ بعيدًا عن ضغط رؤساء التحرير وإيقاع الصحيفة السريع والصاخب. ويظل السؤال: "هل تنجح المرأة الفلسطينية في كتابة المقالة اليوميّة؟".

تقول "رشا فرحات" صاحبة عمود الرأي (لازم نتغير) بصحيفة الرسالة -الذي لفت انتباه وسام- إن غياب المرأة الفلسطينية عن أعمدة الرأي بالصحف المحلية "أمر مستفز للغاية"، وتتهم المجتمع الفلسطيني "بأنه غير مؤمن بالمرأة مطلقاً".

"هدى نعيم" النائب في المجلس التشريعي، رفضت حديث "فرحات" عن عدم إيمان المجتمع الفلسطيني بالمرأة، وقالت "إن مجتمعنا من أكثر المجتمعات التي آمنت وتعاملت بوزن حقيقي مع المرأة في كثير من المجالات".

وعزت غياب المرأة عن الكتابة لوجود المجتمع الفلسطيني في حالة طوارئ وكوارث، جعلتها أكثر تركيزاً على الجانب الاجتماعي.

الإعلامية "لميس الهمص" قالت إن خبرتها في كتابة أعمدة الرأي ما زالت متواضعة، على الرغم من مرور 6 أعوام على عملها بصحيفة الرسالة، واختصرت حديثها في كلمتين: "لسا بدري".

مراجعة الصحف اليومية تُظهر أن المرأة تكتب في مقالات متفرقة وقليلة في مجالات الأدب والفن، وغياباً تاماً لها متى تعلق الأمر بالسياسة والاقتصاد، وهو ما دفع الإعلامية فرحات، للقول: "ليس معنى أن أكتب في الاجتماع أني غير مُلمة بالسياسة.. بالعكس".

وأرجعت النائب نعيم غياب المرأة عن الكتابة في السياسة والاقتصاد، لضعف مشاركتها في هذين المجالين، وافتقارها للتجربة والممارسة.

ونوهت إلى أن "المشاركة والكتابة في مجال السياسية قد يجلب المتاعب للمرأة، كالاعتقال والملاحقة والمساءلة".

واعترفت نعيم بوجود نوع من التغُّيب -وإن كان نسبياً وفق قولها- في إشراك المرأة الفلسطينية في العمل السياسي، وحمَّلت "المجتمع وثقافته" مسؤولية ذلك.

"لمى خاطر" إعلامية وكاتبة فلسطينية في مجالي الأدب والسياسة في عدد من الصحف ومواقع الإنترنت، ولها عمود ثابت في صحيفة فلسطين المحلية. هي واحدة ممن جلبت لهن كتاباتهن في السياسة المتاعب، وتعرضت للمساءلة والاعتقال لدى مخابرات السلطة برام الله.

المرأة المسؤولة

لا غرابة في الأمر إن ربطنا ما يحصل اليوم ببدايات فنّ المقالة التي ارتبطت بالرجال حكمًا؛ بسبب القيود التي كانت مفروضة على النساء عند انطلاق الصحف، إذ كنّ محرومات من تحصيل العلم، وبالتالي من الكتابة.

ولم يعرف العالم العربيّ المقالة كفنّ أدبيّ قائم بذاته إلاّ مع ظهور الصحف، وقبل ذلك كان هناك ما يشبه المقالة، كما في خطب الخلفاء والولاة.

إياد القرا مدير صحيفة فلسطين، يرجع غياب المرأة الفلسطينية عن الكتابة في أعمدة الرأي بالصحف المحلية، إلى "المرأة نفسها"؛ لكنه نبه لوجود "تفاعل أنثوي" في أشكال أخرى للكتابة الصحفية "وتتميز فيها". وفق قوله.

ويقول القرا: "صحيح هناك كتابات للمرأة في صحيفتنا؛ لكن ليس بالمستوى المطلوب".

النائب بالتشريعي "هدى نعيم" دعت المرأة الفلسطينية إلى أن تبذل جهداً كافياً لاقتحام مجال الكتابة الصحافية ومزاحمة الرجال هذا المجال؛ "لأنها قادرة على ذلك". على حد تعبيرها.

وأمام هذه الدعوات، تجد المرأة الفلسطينية نفسها أمام تحدييّن اثنين: أن تثبت قدرتها في عالم يسيطر عليه رجال الإعلام، وأن تواكب حركة العصر والمتغيّرات لحظة بلحظة. وهما أمران عسيران إن لم تكن في حالة جهوزيّة تامّة واستعداد جدّيّ لإعطاء المقالة، كلّ مقالة، حقّها من الأبحاث والاهتمام.

اخبار ذات صلة
السر وراء ثرثرة النساء
2011-01-10T08:09:00+02:00