لم أشاطر الإخوان في قرارهم المتسرع حين دلفوا إلى الانتخابات الرئاسية المصرية من أوسع أبوابها، وتحملوا مسؤولية المرحلة الأخطر في تاريخ مصر الحديث بكل ما تشتمل عليه من تحديات عميقة وأزمات قاصمة للظهور.
لكن خطأ الإخوان في ترشيح د. مرسي أضحى اليوم جزءا من الماضي، ولا محل له إلا في إطار التدبر واستخلاص العبر، فيما أصبح المشهد في مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية مسكونا بالشرعية الدستورية المكفولة بقوة الإرادة الشعبية.
إن شئنا الحديث عن الحرية والديمقراطية والدفاع عنهما فإن الحرية والديمقراطية لا تتجزآن، ما يجعلنا أكثر صدقا وموضوعية في بسط رؤانا وتحليلاتنا للمشهد المصري الراهن، وأشد ثقة ويقينا في ضرورة دعم الرئيس مرسي والدفاع عن شرعيته الشعبية والدستورية.
ثمة فئة من الناس لا تفتأ تشدقا بالديمقراطية وتنظيرا لها، إلا أن الدماء تتجمد في عروقها، وتفقد موضوعيتها واتزانها، وتنقلب على أفكارها وشعاراتها المرفوعة حين يبلغ أحد من الإسلاميين سدة الحكم، وتبدأ في نسج الحجج الكاذبة وحبك الأباطيل الساقطة لتبرير استهدافها للحالة الإسلامية الصاعدة، في مشهد رخيص يمتهن كل القيم والمبادئ السياسية والأخلاقية، ويشي بتهافت البناء الفكري والتكوين النفسي لهذه الفئة في مقارباتها الدؤوبة التي تحاول اصطناع الأوهام الكبرى وتعمد إلى تخويف الشعوب من المشروع الإسلامي.
احترام الشرعية الانتخابية والدستورية والتماثل مع إفرازاتها ومخرجاتها، لا يعني الحرمان من حق إبداء المعارضة الإيجابية والبناءة تجاه مختلف القرارات الصادرة والمواقف المطروحة.
ما تشهده مصر اليوم ليس معارضة محترمة تدور في الفلك الإيجابي البناء على الإطلاق، بل معارضة سيئة وهدامة تمارس الانحطاط السياسي والأخلاقي، وتشرّع العنف والتخريب والتدمير، وتدعو دون أدنى حياء لإسقاط النظام وحكم المرشد، وترفض كل مبادرات وأشكال الحوار والوفاق لحل الأزمة وتجنيب مصر الحريق المنتشر وويلات الاحتراب الدامي الذي تدفع إليه وتغذيه (إسرائيل)والإدارة الأمريكية وبعض الأطراف العربية.
حين ننكر على المعارضة المصرية وضاعتها وانحطاط سلوكها ومواقفها فإن هذا لا يمس بحال حق النقد لمواقف وسياسات الرئيس مرسي، فالنقد المجرد في إطاراته الموضوعية شيء، والانقلاب على القيم الأخلاقية والديمقراطية، وإحراق مصر بهدف تنفيذ مصالح شخصية وأجندات خاصة، شيء آخر تماما.
كثير من العلمانيين لا يُطيقون مجرد سماع اسم الإسلاميين، وتقشعر أبدانهم وتشمئز قلوبهم حين تُذكر سيرتهم في مجلس ما أو محفل من المحافل السياسية أو الإعلامية أو الشعبية، وكأنّ بينهم وبين الإسلاميين ثأرا شخصيا عميقا أو عداوة لدودة حد النخاع.
في صلب التقييمات الشعبية المصرية سقطت المعارضة سقوطا مدويا حسب استطلاع الرأي الذي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC، وأظهر أن 82% من المصريين يكرهون وينبذون جبهة الإنقاذ المعارضة التي تقود حملة التخريب ضد الرئاسة والإخوان، ما يؤشر إلى طبيعة المزاج الشعبي المصري السليم الرافض لعربدة وسفاهات المعارضة، ورغبته في إعلاء مصلحة مصر فوق كل مصلحة واعتبار.
المعارضة المصرية ساقطة شعبيا لكنها حية إعلاميا بفعل المليارات المحلية والخارجية التي تُضخ في جيوبها وفي مزاريب معظم القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المصرية التي تنفث سمومها، وتبث قذاراتها لتزوير الأحداث، وتشويه القيم، وضرب التجربة الديمقراطية الوليدة، وشيطنة الإسلاميين، وتحريض الجماهير على الانقلاب على النظام الحاكم المدعوم شعبيا والمشمول بالحماية الدستورية.
لا زال هناك فرصة أخيرة أمام العلمانيين للمراجعة والاستدراك قبل اكتمال السقوط وفوات الأوان!