قائد الطوفان قائد الطوفان

القدس في رمضان.. تحدٍّ وصمود لإثبات الهوية الإسلامية

الضفة الغربية – لمراسلنا الخاص                  

منع وإغلاق، تهويد وطرد للعرب، هدم للبيوت ومصادرة للأراضي، كلمات تلخص الواقع المرير الذي يحياه المقدسيون في مدينتهم الجريحة، حيث أضحت المدينة فريسة بين فكي الاستيطان والتهويد الصهيوني.

لكن؛ ورغم كل ما تعانيه القدس المحتلة من ممارسات احتلالية، إلا أنها تأبى الخنوع والانكسار في شهر رمضان المبارك، حيث يصر أهل القدس على إثبات وجودهم وحاضرهم وماضيهم العربي الإسلامي داخل القدس وفي أزقة البلدة القديمة فيها.

فأضواء الزينة زينت على الجدران، وفوانيس رمضان عُلِّقت على الأبواب وفي الأسواق،  ومحلات التجار امتلأت بالبضائع الرمضانية، كحلوى القطايف والكعك المقدسي، والمُرطبات والعصائر المشهورة في القدس، وخاصة عصائر الخرّوب والسّوس والّلوز، وعرض أصناف متعددة من الحلويات إلى جانب التمور بأنواعها المختلفة.

 هكذا بدت أجواء استقبال شهر رمضان المبارك في أنحاء البلدة القديمة في القدس المحتلة، فرغم التهويد الزاحف بين أزقة مدينة القدس وأروقتها، ورغم ممارسات الاحتلال الهادفة لطمس الملامح العربية والإسلامية من المدينة الجريحة، إلا أن أهلها مصرون على التشبث بأرضهم وحقهم في مدينتهم، مؤكدين على الهوية العربية الإسلامية لمدينتهم رغم كل الممارسات الاحتلالية.

أقصانا ينادي

التاجر "أبو مصعب" في العقد الرابع من عمره جلس أمام محله قرب باب الأسباط - أحد أبواب المسجد الأقصى- يستذكر كيف كانت أسواق القدس تزدحم بالزائرين للمسجد الأقصى في شهر رمضان من كل عام، وقال:"كانت أسواق البلدة القديمة لا تتسع للزوار للمسجد الأقصى في ليالي رمضان، كنا نشعر ببهجة الشهر الفضيل، فالناس يأتون من كافة أنحاء الضفة الغربية للصلاة بالأقصى، لكن الشوارع الآن خالية والمسجد الأقصى يشكو قلة رواده، فالاحتلال أحكم الطوق على القدس، وحرم الآلاف بل الملايين من الوصول إلى هنا".

ويضيف أبو مصعب":"نحن التجار في أسواق البلدة القديمة لا نحزن على الخسارة التي تلحق بنا جراء هذا الإغلاق، فحزننا الكبير على مسجدنا "الأقصى"، والله إن قلوبنا تتقطع عندما نرى السوّاح الأجانب يأتون من بقاع الدنيا للتنزه في ساحات مسجدنا، وأهلنا المسلمون في الضفة وغزة وغيرهم يحرمون من دخوله ومن الصلاة فيه".

 

تعمد المضايقات

وتشهد البلدة القديمة في القدس المحتلة في ساعات الإفطار وبعد المغرب، نشاطا لقوات الاحتلال التي تحاصر المواطنين وتتعمد التنكيل بهم بشتى الطرق والوسائل ومصادرة أوراقهم الشخصية، حتى الأطفال لا تجدهم فرحين أو يلعبون فهم محرومون من التجول بحرية في البلدة القديمة.

هذا ما أكدته السيدة أم محمد صادق التي تسكن في البلدة القديمة في القدس المحتلة، حيث قالت:"أطفالي لا يجرؤون على الخروج للعب بعد الإفطار، حتى على بوابة المنزل، كما أني لا أجتمع مع جاراتي ونساء الحي كما كنا بالسابق، فنحن لا نستطيع أن نترك البيت لوحده، كما أن المستوطنون يعتدون على السكان العرب دون سبب، لهذا أمنع أطفالي من الخروج وحدهم".

وتؤكد السيدة أم محمد:"لرمضان نكهة خاصة في مدينة القدس وفي البلدة القديمة خصوصا، حيث الزينة وفوانيس رمضان، وأصوات باعة العصائر والحلويات الرمضانية"، وتستدرك قائلة:"حتى تعليق الزينة على باب المنزل أصبح به نوع من المخاطرة، فالمستوطنون وأفراد الشرطة الإسرائيلية يرفضون رؤية أي مظهر عربي وإسلامي في القدس، وتغيظهم جدا عاداتنا في رمضان، لكننا نتحداهم بصبرنا ورباطنا على أرضنا".

ويحاول المقدسيون إقامة المهرجانات والاحتفالات، حيث أعلنت العديد من الأندية والمؤسسات المقدسية عن تنظيم مسابقات رياضية وفعاليات وأُمسيات ثقافية وفنية، خاصة للأطفال القادمين إلى البلدة القديمة، وبعد صلاة التراويح في المسجد الأقصى، فيما تستعد مؤسسات وأندية رياضية مقدسية للقيام مهام تنظيف وترتيب ساحات المسجد المبارك، ومقابر اليوسفية والرحمة وباب الساهرة.

ويحرص المقدسيون من أصول وأجناس مُتعدّدة: مثل الجالية الإفريقية والمغربية والهندية والأفغانية على اتخاذ زوايا معروفة باسمهم، تُحيي فيها ليالي رمضان على طريقتهم الخاصة، الأمر الذي يميز المدينة المقدسة على غيرها من المدن الفلسطينية.

وتتميز مدينة القدس في ليالي رمضان بإقامة الموالد النبوية والحفلات الدينية في الأسواق والزوايا، حيث تقفل المقاهي أبوابها ويحولها أصحابها إلى محال لبيع الحلويات الرمضانية والعصائر الباردة بعد الإفطار.

إغلاق محكم

وقبل إطلالة شهر المغفرة، أعلنت المؤسسة الصهيونية عن منع من هم دون ال 45 من دخول المسجد الأقصى، في خطوة استفزازية للمسلمين الذين يتمنون إحياء ليالي رمضان في ساحات المسجد الأقصى المبارك.

كما يسعى أفراد الشرطة الإسرائيلية في القدس المحتلة إلى إشاعة الخوف بين المواطنين المقدسيين، حيث تنشر إشاعات عن احتمالية انهيار المسجد الأقصى بسبب اكتظاظ المصلين، الأمر الذي أثار غضب الأوقاف الإسلامية في القدس ومؤسسة الأقصى للوقف والتراث، حيث أكدتا على ضرورة زيارة المسجد الأقصى والرباط فيه وعدم تركه يئن وحيدا تحت حراب التهويد الصهيوني.

وتستعد مؤسسة الأقصى للوقف والتراث في كل رمضان من كل عام، لتوفير وتقديم عشرات آلاف وجبات الإفطار وتقديمها للصائمين يومياً في المسجد الأقصى المبارك، في حين ستكثف مؤسسة الأقصى خلال شهر رمضان من إلقاء الدروس والمحاضرات والندوات الفقهية والفكرية في محراب المسجد الأقصى ومحراب مسجد قبة الصخرة.

 

 

البث المباشر