قائمة الموقع

مقال: ملائكة وشياطين

2013-02-11T06:47:50+02:00
وسام عفيفة
بقلم/ وسام عفيفة

البرودة تسري في الجسد كأنها تيار كهربائي ضعيف يعذب من يستقبله أكثر من الاستفادة منه في حين أنني أرقد على سرير وتخترق أنفي رائحة دواء تختلط بروائح منظفات البلاط.

أشخاص يتحركون من حولي بلباس أبيض.. وجوههم جامدة لا تعكس لون لباسهم.

في المكان أسرّة أخرى يرقد عليها آخرون.. وفجأة: صراخ يدوي كاسر حاجز الصوت لأذني,

يا للهول: سيدة حامل في لحظات المخاض على السرير إلى جواري.. ماذا يحدث؟

وقف أحدهم أمامها بكل برود، ونظر إلى اللائحة المعلقة على سريرها، وقال لآخر: "تحتاج عملية قيصرية.. جهزوها", ثم ذهب.

لحظات تمر وصراخ الحامل لا يتوقف.. حاولت أن أتحرك من سريري لأغادر هذا المكان الغريب لكنني لم أستطع تحريك جسدي.

يمر آخر بلباس أبيض.. يتوقف عند صراخ المرأة.. ينظر إلى اللوحة المعلقة, ويقول للآخر: "لا.. لا تحتاج عملية, انتظروا حتى نولدها طبيعيا", ثم يذهب.

تحولت بنظري إلى الأمام: أحدهم يجلس على طاولة في حين يصطف أمامه طابور من المواطنين: رجال, وعجائز, ونساء, وأطفال.. صورهم مخيفة, وبعضهم تنزف الدماء من رأسه, وآخرون يتحركون على "عكاكيز".

كانت مهمة صاحب الثوب الأبيض النظر في وجه من يصله الدور, فيكتب بضع كلمات, ويضرب ختمه بقوة على الورقة.. كانوا يتحركون "في الطابور" بصمت يخترقه أنين خائف من بعض الزاحفين إلى الطاولة.

يعود الصراخ مرة أخرى وهو يهز أرجاء المكان.. يا للهول: بقعة كبيرة من الدماء تحت سرير السيدة الحامل.. الصورة أمامي مشوشة, فإحدى سيدات اللباس الأبيض تجري في المكان وهي تقول: انفجر الرحم.. انقلوها إلى العناية المركزة.

وتعود الصورة شيئا فشيئا, ولكن المرأة اختفت, وحلت محلها امرأة حامل أخرى في حالة مخاض على السرير نفسه, وبقعة الدماء تتسع في المكان.

تأوه يتسلل إلى أذني من الناحية الأخرى.. ألتفت نحو الصوت: كان شابا شاحب الوجه مستلقيا على بطنه فوق السرير وصاحب الثوب الأبيض يسأله, فيجيب: "دمّل صيني".

فهمت أنه يعاني "دمّل" في مكان "لا بنشكي ولا بنبكي", فركزت بصري نحو سريره بعد أن انقشع دخان سيجارة نفثها أحد أصحاب الثياب البيض خلال ارتشاف فنجان قهوة.. الشاب يستلقي هذه المرة على ظهره وقد ازداد شحوبا, وكان يتقيأ باستمرار مرة تلو مرة: القيء كان يملأ الأرض ورائحته تسد شرايين رئتي.

"الرجل الأبيض" يضع يديه في جيبيه ببرودة في حين يسأله أحد أقرباء الشاب بلهفة: "انتهت العملية وفتحتم الدمل ولم يتوقف القيء؟".. فيرد "البارد": "نعطيه حقنا ضد القيء, ومحلولا باستمرار.. لا تقلق".

لحظات تمر.. صوت غاضب يأتي من المكان نفسه, ولكن وجه صاحب الثوب الأبيض تغير.. يحمل اللوح المعلق على السرير ويقول بعصبية: "من أعطاه هذا المحلول.. لو انتظرنا ساعات قليلة كان يمكن أن يصاب بفشل كلوي نتيجة هذا الخطأ".

بدأت أشعر بضيق في صدري, وبطريقة لا إرادية توجهت ببصري مرة أخرى نحو المرأة الحامل.. كان سريرها فارغا, وصاحب لباس أبيض يتقدم من السرير الفارغ.. وفجأة ينظر نحوي.. شعرت بقشعريرة تسري في جسدي وأنا أنظر إلى عينين حمراوين: إنه يتقدم نحو سريري.. يقف أمامي, يرفع قدمي..

"ماذا سيفعل هذا المجنون؟".. أحاول تنزيل قدمي لكن دون فائدة.. إنه يمرر يديه بين قدمي.. أصرخ "بالعالي": ماذا تفعل يا أخينا.. صوتي مكتوم.. أكرر: أنا ذكر يا مجنون.. ذكر.. ذكر..

وفجأة، ينتفض جسدي كله لأجد نفسي جالسا على فراشي في غرفة نومي وعرقي يتصبب.

خير.. اللهم اجعله خيرا.. تحسست جسدي.. بعد لحظات صرت أضحك بلا إرادية.

لا أدري هل كان حلما أو كابوسا؟

على أي حال الأمر متروك لكم.. لمن يستطيع تفسير الحلم.

اخبار ذات صلة