كثيراً ما يطغى التفكير في القضايا الكبرى على حساب مسائل وقضايا جزئية يستحقرها كثرٌ من أولي الأمر، والتي تُشكل مفرداتها ومؤثراتها قضايا تستوجب أن تُوضع على سلم الأولويات، ولنا عبرة في سورة المجادلة تبدأ بقضية امرأةٍ سمع اللهُ شكواها " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله واللهُ يسمعُ تحاوركما" وتسرد السورة أداب التفسح في المجالس "يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم". ولم تغفل السورة معالجة النجوى وآداب الدخول على رسول الله في الوقت التي عالجت فيه أخطر القضايا الإسلامية الكبرى مثل النفاق والولاء والبراء في قول الله "لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حادَّ اللهَ ورسولَه".
ومما لا شك فيه أنَّ ازدحام القضايا السياسية في الساحة الفلسطينية جعل كثيراً من حاجات الناس والوطن قضايا تافهة أو ربما لعب عيال باللهجة المصرية، فليس غريباً أن يملأ كتّاب السياسة الصحف الفلسطينية بأخبار القضايا الوطنية الكبرى كالمصالحة والأسرى والمفاوضات ومنظمة التحرير والانتخابات والربيع، ولكن الغريب ألا يكتبوا عن شاطئ بحر غزة الشمالي الذي اجتاحه البحر بالكامل ولم يجد من يحميه أو يكتبوا عن أخطر قضية نصب في تاريخ غزة قضية الروبي والكردي التي تتكرر كل يوم بأشكال ومهارات عبقرية لا تجد من يحمي فيها المواطنين الذين تضرروا منها أكثر من تضررهم بالحصار، أو حتى يكتب عن مجمع اليرموك للقمامة والذي يشكل قراراً دائماً بعقاب أهل المنطقة، والغريب ألا أجد من الساسة والعلماء وخطباء المساجد من يتحدث عن ملايين الدولارات يهدرها الحجاج والمعتمرون ضريبة المناسك للصين مقابل سبح ومصليات، وكأن الحديث في هذا الامر ليس من الدين أو بدعة، أو كأن علب الأفراح وباقات تهاني الزهور جزية بملايين الدولارات تفرض للصين من أموال العرائس المحاصرين.
والغريب ألا يكتب الكتاب الاقتصاديون عن الملابس الصينية التي أغلقت كل مشاغل الخياطة في غزة وخلقت عشرين ألف فرصة عمل في الصين ومثلها بطالة في غزة، ولم يكتبوا أن ٥٠٪ من الملابس الصينية تُهدر في غزة فقط لأن التاجر يطلب أسوأ أنواع "السستة والمغيط" حسب تفسيرات عمالقة الخياطة في غزة ولم يكتبوا أن ١٠٠٪ من الماركات المسجلة على الملابس مزورة وأن الملابس القطنية ما هي الا ملابس بترولية وأن مواد السباكة المستوردة من الصين تهدر مياه أكثر مما تسرقه (إسرائيل) من مياه غزة. وليست من توافه الأمور أن نكتب شكراً لشرطة المرور لتنظيمها حركة السيارات على مفترقات الطرق وعتاباً على تقصيرٍ غير مبرر في تنظيم حركة مرور المشاة الفوضوية على المفترقات، وليس من فوازير الجرائد أو الكلمات المتقاطعة أن يكتب الكتاب عن آلاف الشقق تبنى في غزة دون رقيب يحمي المستهلك أو حتى يحمي التاجر من غدر السوق وتقلباته. و ليس غريباً أن يجعل أصحاب المقال هدية أقلامهم مقالاً كفنجان قهوة بعد دسم القضايا الكبرى تكون تذكرة ثالثة ورابعة.