يحاول الكثيرون من أصحاب الشأن الفلسطيني أو أصحاب وضع الكل الفلسطيني في سلة واحدة لا فرق بين إسلامي وعلماني، ليبرالي ويساري وهم جميعا سواء في أهدافهم وتطلعاتهم وسعيهم نحو الاعتراف بالاحتلال والتفاوض معه لتحقيق مكاسب سياسية أو انتخابية أو غير ذلك ونسي الجميع أننا شعب محتل، والمحتل لا يفاوض عدوه إلا عبر البندقية وليس عبر طاولة المفاوضات القائمة على الاعتراف لهذا العدو بالوجود على الأرض التي اغتصبها من أهلها الشرعيين.
سلط الإعلام الضوء على ما يجري بين الجانبين المصري والصهيوني في القاهرة من لقاءات ذات طابع أمني متعلق في الأساس بعلاقات وتشابكات أمنية مصرية صهيونية.
وجزء من هذه اللقاءات مناقشة موضوعات مطروحة من حركة حماس والحكومة في قطاع غزة على الجانب المصري الذي رعى اتفاق صفقة وفاء الأحرار والهدوء المتوافق عليه بعد معركة الأيام الثمانية التي خاضتها المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني والتي أعقبتها تفاهمات جرت بين الحكومة المصرية والصهاينة وفق ما طرحته المقاومة وحماس لإحداث حالة هدوء ووقف العمليات العسكرية عند الطرفين وفق تنفيذ عدد من المطالب الفلسطينية.
هذه الاتفاقات أو التفاهمات التي جرت يتم خرقها من الجانب الصهيوني، ولعل أهمها إعادة اعتقال المحررين في صفقة وفاء الأحرار والسعي نحو استكمال أحكامهم في سجون الاحتلال، وكذلك موضوع الأسرى المضربين عن الطعام والذين تتعرض حياتهم للخطر الشديد، وخروقات في البر والبحر تفاهم الجانبان عليها لم يلتزم بها الاحتلال، ورفع الحصار من خلال تزويد القطاع بالمستلزمات والاحتياجات وخاصة مواد البناء.
ما يجري ليس تفاوضا، لأن حماس حركة أكدت في أكثر من مرة أنها لا تفاوض العدو الصهيوني لأنها تعلم ان مفاوضة الاحتلال بشكل مباشر وعلى قضايا سياسية هو اعتراف مباشر بهذا العدو. وحماس أكدت أكثر من مرة أنها لن تعترف بهذا الغاصب على أرضها، ولكن البعض يريد أن يقنع نفسه والفلسطينيين أنهم وحماس سواء، وأن حماس تفاوض الاحتلال كما يفاوضون هم هذا الاحتلال ويريدون العودة مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات لاستكمال مشروع التصفية للقضية الفلسطينية.
هناك فرق بين أن تنقذ أسيرا يصارع الموت أو تسهل على مليون وثمانمائة ألف محاصر ومن خلال وسيط يحمل مطالبك دون أن تفرط بالحقوق أو الثوابت أو تعترف بهذا العدو، وبين أن تجري المفاوضات على قضايا مصيرية متعلقة بالأرض واللاجئين والقدس والحقوق، هذا التفاوض القائم على حل الدولتين أي على قاعدة الاعتراف بحق الغاصب بالوجود على الأرض المغتصبة لم ولن تمارسه حماس.
حماس لن تفاوض العدو الصهيوني على قضايا سياسية وحقوق وثوابت وإن عملت مع الوسيط المصري في معالجة بعض القضايا الحياتية والإنسانية المتعلقة بالمواطنين من خلال لقاءات مصرية صهيونية خالصة.
وحماس واضحة في ذلك وهي عندما تُقدم على خطوة ما تعلن عنها بوضوح ودون مواربة ودون أن يكون هناك ما تخشاه أو تخجل منه، وكان ذلك واضحا في صفقة وفاء الأحرار.
وأكدت حماس منذ اللحظة الأولى أن هناك تفاوض غير مباشر وعبر وسيط من أجل تحقيق صفقة مشرفة وتم الأمر والإفراج عن الأسرى وفق معايير المقاومة وكان ما أعلنت عنه تماما بعد أن استجاب العدو لذلك.
أما أن يخرق العدو الاتفاق ويتراجع عنه فهذا لا يعيب الصفقة إنما يكشف عن حقيقة هذا العدو ناقض العهود حماس تعلم ذلك ولكن مع الأسف من يسعى إلى عقد اتفاقات سياسية تصفوية يغفل ذلك.
ومن خلال متابعتي لتصريحات قادة حماس فلا تناقض في المواقف والتأكيد على معالجة خروقات وقضايا إنسانية عبر الوسيط الضامن لها هذا لا يعد تفاوضا نفاه قادة حماس، خاصة أن البعض، وهذا أمر مؤسف، لا يعنيه من التفاوض إلا ما يطلق عليه الشرعية والخشية من الازدواجية أما على ماذا يتم التفاوض فالأمر لا يعنيه من قريب ولا من بعيد.
وهنا أريد أن أسجل ما سجلته سابقا من وجهة نظر أن حماس حركة عقدية لا يمكن لها أن تفاوض معترفة بهذا العدو الغاصب وهي تعلم أن الحوار مع المحتل لن يكون إلا عبر البندقية أو السيف، وان اللحظة التي يتم فيها التفاوض ربما تكون لحظة ترك الغاصب لهذه الأرض المغتصبة وعودتها إلى أهلها كاملة دون تفريط بذرة من ترابها؛ وإلا لن تكون عندها حماس هي حماس التي عرفناها.