بلغني أيها الوالي الكريم ذو الرأي الحكيم أنك عاتب على قلمي رغم أنه لم يخط في أمر فيه تحريم.
وأعلم سيدي أن هناك من يشتكيني من أهل الحل والعقد ويصفني بعضهم بأني لئيم.
لهذا أذكرك بقول الشاعر:
خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت بهِ في طلعة البدرِ ما يغنيك عن زحلِ
ويعلم الله أني لا أكتب قدحا لا ذما وأن الحبر المسكوب على باب هذا العمود رغم سواد لونه لكن فيه بياض النية واجتهاد في نقل هموم الرعية.
وكيف لا يتسع صدرك للعبد الفقير، ومن شيمكم الصبر وطول البال، وهي من خصال أهل العزم وكما قال المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ وتأتي على قدر الكرامِ المكـارمُ
وتعظم في عين الصغيرِ صـغارهـا وتصغر في عين العظيم العظـائمُ.
سيدي لقد حرصت على أن أشد الرسن كلما جمح قلمي، فلا يكون في حقل المقال هائج، ولا أقبل له أن يكون عند قول الحق خانع.
والكيّس الفطن من يتعلم من تجاربه، وأنا لي من وراء الصوت العالي نصيب من لسعات وقرصات، لهذا يحوم قلمي حول الحمى ولا يقع فيه، ويكفيني أن للوالي إطلالة على نافذتي، لهذا أتجرأ وأحمل مظالم الرعية، أو أسلط قلمي على بلية من بلايا هذا الزمان، وإن كان فيها نقد ساخر، فإن شر البلية ما يضحك.
ومهما علا صوتي فإنه لا يعلو على صوت الحق والعدل، لكن هناك من لا يجيد القراءة إن قرأ، ويعلو صوته بالغضب، يحسب كل صيحة عليه إعلان حرب.
وأعلم أن رضى الناس غاية لا تدرك، لكن من حق المريض أن يتألم، ومن واجب الطبيب أن يداوي علته، لكن هناك من عمالكم من لا يرضيه إلا المديح، حتى وإن وقع بسبب قشر موز هو راميه، ومهما قلت فإن رضى كل العمال في بلاطكم صعب المنال ويذكرني حالي وحالهم بقول الشاعر:
ضحكت فقالوا: ألا تحتشم * * * بكيت فقالوا: ألا تبتســـم
ابتسمت فقالوا: يرائي بـها * * * عبست فقالوا: بدا ما كتم
صمت فقالوا: كليل اللسان * * * نطقت فقالوا: كثير الكلم
حلمت فقالوا: صنيع الجبان * * * ولو كان مقتدراً لانتـقـــم
بسلت فقالوا: لطيش بــــه * * * وما كان مجترئاً لو حكـــم
يقولون: شذ إذ قلـــــــت لا * * * وإمعة حين وافقتهــــم
فأيقنت أني مهمـــــا أرد * * * رضى العساس لابــد أن أذم