لقد كانت ظاهرة الجاسوسية -ولا زالت- جزءا من الصراع على مر التاريخ، حيث يعتبر الجواسيس العين الأساسية للأعمال الاستخباراتية وقت السلم والحرب.
وعملت وزارة الداخلية والأمن الوطني بكافة أجهزتها وإداراتها المختصة على محاربة ظاهرة التخابر مع الاحتلال عقب إنشاء جهاز الأمن الداخلي عام 2007 المنوط به مهمة حفظ الجبهة الداخلية وحماية ظهر المقاومة الفلسطينية.
ومنذ ذلك الحين والعمل الأمني في قطاع غزة يشهد تطوراً ملموساً ومنحنىً صاعداً شهد له القاصي والداني والعدو قبل الصديق في إضعاف ظاهرة التخابر وانحصارها بشكل كبير عما كانت عليه طيلة سنوات الصراع العربي - الصهيوني الممتد منذ نكبة عام 1948م.
وفي صيف عام 2010 أطلقت وزارة الداخلية حملة كبيرة أطلقت عليها اسم "مكافحة التخابر مع العدو" لملاحقة كل من تسول له نفسه الاتصال مع الأمن الصهيوني بكافة أفرعه الاستخباراتية.
وأشرفت الداخلية ب أجهزتها وإداراتها الأمنية المختصة كافة على تلك الحملة من العاشر من يوليو(تموز) 2010، وحتى نهاية العام ذاته.
واليوم.. مضى أكثر من عامين على حملة محاربة العملاء في قطاع غزة، لتصدح أصوات رسمية وأمنية تطالب بتشديد الخناق على العملاء وكل من تواطأ مع الاحتلال ومده بالمعلومات التي أضرت بشعبنا وبمقاومته وصموده وثباته.
ونجحت الأجهزة الأمنية خلال السنوات الأربعة الماضية عقب انتهاء حرب الفرقان في تفكيك العديد من شبكات العملاء التي ساعدت مخابرات الاحتلال لأعوام عديدة في تنفيذ مخططاتها الرامية لاستهداف الجبهة الداخلية بغزة وتغذية بنك أهدافه الذي انكشفت عورته في حرب حجارة السجيل أمام ضربات المقاومة المزلزلة لعمق الأراضي المحتلة عام 48.
واليوم بفضل عقول أمنية فذة أذهلت الشاباك ووجهت له ضربات في مقتل ضمن ما بات يعرف بـ"صراع الأدمغة" الذي شكل حرباً أمنية خفية فجرت فيها العقول الفلسطينية قنابل من العيار الثقيل في وجه أجهزة مخابرات واستخبارات الاحتلال حتى بات العدو عاجزاً أمامها، وخير إثبات لضعفه ووهن بيت عنكبوته الهش "الانتصار والصمود الأسطوري لشعبنا في معركتي الفرقان والسجيل".
وأضعف الأمن الفلسطيني بشكل فعال وكبير مخططات الشاباك الصهيوني الخطيرة الموجهة ضد القطاع رغم الحصار ونار العدوان التي أصابت سكانه على مدار السنوات الستة الماضية.
أدرك الاحتلال بعدما تهاوت منظومته الأمنية والدفاعية الهشة أن هناك تغييراً إزاء الخطوات التي يقوم بها جهاز الأمن الداخلي نتيجة مُضيه في محاربة العملاء وملاحقتهم ومتابعة كل سكنة لهم ورصد كل مخططاتهم بشكل دائم.
وشكل الاحتكاك المباشر في الحرب الأخيرة نموذجاً مناسباً للدراسة والقراءة الأمنية لساحة الصراع المباشر مع الاحتلال عبر المقاومة وظهرت أدوات التخابر التي استخدمها الاحتلال خلال الفترة الماضية جلية في حجارة السجيل لأن القراءة الأمنية السريعة للحرب أظهرت وجود نجاحات أمنية واضحة للأجهزة الامنية ووزارة الداخلية عموماً وللأمن الداخلي تحديداً مقارنةً بما حصل في حرب الفرقان.
وعملت الأجهزة الأمنية خلال العدوان الأخير على متابعة العملاء والتضييق عليهم ومتابعة تحركاتهم في الميدان وأثبتت المعركة الأخيرة افتقار مخابرات الاحتلال على المعلومات وبنك أهدافهم كان واضح جداً وانتهى أول أيام العدوان وبدأ الاحتلال بعدها بضرب الأهداف المدنية.
وأعطت معركة حجارة السجيل لجهاز الأمن الداخلي إعادة ترتيب الأوراق ومعرفة نقاط الضعف والقوة والتعرف أكثر على علاقة المخابرات بالعملاء مما مكنها من إلقاء القبض على مزيد منهم.
وبفضل الله أولاً ثم بجهود رجال لم يتسلل الوهن إلى عزائمهم الصلبة حققت الحملة الوطنية لمكافحة التخابر مع العدو المنفذة عام 2010 أهدافها المرجوة وسلم العديد من العملاء أنفسهم وتم إغلاق ملفاتهم وإدراجهم ضمن المجتمع ليكونوا مواطنين صالحين.
ولأن ملاحقة ومحاربة العملاء ومكافحة التجسس في قطاع غزة عملية مستمرة لا تتوقف إلا بجلاء الاحتلال وتحرير التراب الفلسطيني من دنسه فمن المؤكد أن العمل لا زال على هذا النحو يرنو نحو تحقيق أهداف وغايات تُحقق مفهوم الأمن الشامل لذلك تُطلق وزارة الداخلية اليوم النسخة الثانية من الحملة الوطنية لمواجهة التخابر مع العدو لكن الحملة الجديدة ستكون أكثر شمولية وعمقا وتطورا في العمل الأمني وستعتمد على نتائج انتصار حجارة السجيل.
فاليوم تُضيف الداخلية لسجلات إنجازاتها انتصاراً أمنياً جديداً في حرب "صراع الأدمغة" المتواصلة بين أجهزتها ومخابرات الاحتلال لتُثبت عبرها أن غزة باتت كتاباً محكم القفل في وجه الاحتلال بعدما أرادها كتابا مفتوحاً مكشوف المعلومات والحقائق فخاب فأله وتحطمت مؤامراته على صخرة صمود وثبات وزارة لم تهزها رياح وعواصف العدوان الطاغية.