لا شك هناك حرب عقول بين كتائب القسام من جهة، والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، إذ يسعى الاحتلال إلى التفوق في حربه الاستخباراتية بعد فشله في الحرب العسكرية الأخيرة. ولهذا يستغل إعلانه عن اكتشاف الأنفاق وقصفها في ثلاثة أهداف، الدعاية السوداء أمام المجتمع الغربي والادعاء بأنها سبب للدمار والإشكالية ومبرر للعدوان والحصار، بالإضافة إلى الاستعراض أمام جمهوره الداخلي ومحاولة تحقيق إنجاز إعلامي، وحرب نفسية مربكة لحسابات المقاومة والشعب الفلسطيني.
ومن هنا تفضل المقاومة وحتى اللحظة عدم الحديث في ملف الأنفاق كون الإعلان فيه يخدم الاحتلال، في الوقت الذي يحاول فيه الاحتلال تضخيم الأمور في محاولة منه لتغيير قواعد الاشتباك من دون التأثير على واقع التهدئة المعقودة. وربما لم يعلم الاحتلال حتى اللحظة أن سلاح الأنفاق لم يعد هو السلاح الفعال الوحيد بيد المقاومة من الناحية الإستراتيجية، خصوصاً أن المقاومة تمكّنت من تطوير قدراتها ومراكمتها واكتشافاتها وإبداعها، عدا عن عدم تأثر الأنفاق الداخلية الدفاعية بما يقوم به الاحتلال على طول الشريط الحدودي للقطاع.
ومن المعروف أن الأنفاق أثبتت جدواها في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عام 2014، وهي أهم الأسلحة المعروفة للمقاومة الفلسطينية وأكثرها خطورة، لذلك هناك كثير من البرامج التي يعمل عليها الاحتلال للحد من الأنفاق ومن قدرتها وتأثيرها في أي مواجهة قادمة، والجدار الذي يشيد على عجل هو أحد المحاولات الإسرائيلية لإيجاد عوائق لفعالية تأثير سلاح الأنفاق التي تمتلكه المقاومة، على اعتبار أن هذه الأنفاق هي السلاح الوحيد القادر على التأثير على الاحتلال في المعارك العسكرية مع المقاومة، مع إدراك الاحتلال بأن المقاومة الفلسطينية تتطور ذاتها تراكميًا وباتجاهات مختلفة، وتعمل بوتيرة عالية لابتكار أسلحة وللاختراق الدفاعات الإسرائيلية والجدر والقبب المانعة.
ومن الطبيعي أن الاحتلال لا يوفر جهداً للعمل على الحد من تطور المقاومة الفلسطينية، ويستغل المحتل جميع الأساليب المتوفرة لديه ويطوعها في هذا الصراع إن كانت استخباراتية وإعلامية وأمنية وعسكرية، بالإضافة إلى الحصار والتضييق والضغط على الجمهور وحياة الناس، معتبراً أن هذه الأساليب تعمل على الحد من تطور المقاومة الفلسطينية وخصوصاً تطور الأنفاق.
ولا أحد ينكر أن للاحتلال نجاحات وإخفاقات، إلا أن المقاومة استطاعت تجاوز كثيرًا من العقبات والعوامل التي صنعها الاحتلال للحد من نموها، وفي الوقت ذاته تضاعفت قوة المقاومة الفلسطينية وتعزز الإيمان بها واقعيًا، وباعتقادي لولا الحصار الخانق والخذلان المحوري والإقليمي والداخلي أيضًا لتغيرت كثير من المعادلات.