لها عين ساحرة تسلب عقول المسؤولين والكبار, فيحسبون لها ألف حساب.. يتزينون ويتجملون قبل أن يقابلوها.. تجري أحيانا خلفهم فيتمنعون وهم راغبون, وكثيرا يلهثون خلفها, ويهتمون بها أكثر من هموم المواطن.
تخطفهم من أمام مكاتبهم, ويستجيبون لدعواتها أكثر من توسلات المواطنين لمقابلتهم, ويظنون أنهم بذلك يسيطرون على عقول الجماهير.
تلمع صورهم, وتمنحهم ثقة في أنفسهم حتى لو كانوا "كبارا على فشوش.. يقفون أمامها باحترام وتركيز, ويتحدثون لها بكلام "موزون" مصفوف معسول كأنهم يغازلونها ويطلبون ودها وود من خلفها.
لكنها ماكرة, قد تمنحهم الأمان وتسقطهم في حبائلها, ثم تنقلب عليهم وتفضح عيوبهم, وتكشف زيفهم, وتجعلهم "فرجة" بين الناس.
"ليس كل وجه يصلح لها", ومن يتطفل عليها يدفع ثمن فتنتها.. حتى لو رقصوا أمامها لن ينالوا رضاها.
من المسؤولين من يراها صمام أمان للحفاظ على كرسيه, وبوليصة تأمين للحصول على ترقية, وأفضل وصفة للوصول إلى الكبار للانتشار, وتأشيرة دخول إلى عالم المال والأعمال والسلطة.
منهم من يقيم إنجازاته بعدد المرات التي ظهر أمامها, وطول الساعات التي أمضاها يشرح صولاته وجولاته لها.
لها حركات ساحرة وهي تقف على ثلاثة أقدام.. تقترب بعينها حتى تقتحم ملامح وجه المسؤول, وتبتعد ببطء حتى تعرضه من زوايا مختلفة وهو يجلس بكل أدب كأنه طالب نجيب في الفصل.
لمن لم يتعرف عليها حتى الآن.. إنها كاميرا التلفزيون.. معبودة المسؤولين, في المباشر والتسجيل, فكم وزير يحلق فوق الهواء يبشر بالأماني ويطير الوعود, وعندما ينزل تحت الهواء تضيع الكلمات ولا يبقى منها سوى صورة وبدلة "وكرافته".
إذا قال الفيلسوف الفرنسي ديكارت: "أنا أفكر.. إذن أنا موجود"، فإن نظرية بعض المسؤولين: "أنا أتصور إذن أنا موجود".
لا يعني ذلك أن الكاميرا حرام على المسؤولين بل هي ضرورة للجهد الرسمي والحكومي لكنها ظاهرة سلبية عندما يصبح حب ظهور المسؤول أمامها إدمانا ومبالغة في الاهتمام "على الفاضي والمليان" حتى لو أن بعضهم تمكن لعلق كاميرا في رقبته.
وإذا أردت أن تستمتع "بنهفات" "وقفشات" عن المسؤولين فيمكنك أن تستمع لمصور صحافي أو مدير في فضائية, فستعلم أن داخل بعض الكبار من أهل الحكم طفل صغير مولع بالكاميرا لدرجة أنه يقفز أحيانا أمامها, ويشرئب بعنقه من خلف زحام الحاضرين حتى يدخل الكادر, ولولا المكانة والمنصب للوح بيديه للكاميرا ليقول: "أنا هنا زوجتي.. أنا هناك يا قائدي".
لكن: حذار أيها المسؤول، فقد تنقلب الصورة عليك, وتكون الكاميرا سببا في سقوطك عن كرسيك, فكم مرة اصطادت غيرك وهو نائم في اجتماع, وضبطت آخر منشغلا عن خطاب في "نكش مناخيره" وتنظيفها.
عندئذ ستتحول إلى "نكشة راس" أمام الجماهير, ولن تشفع لك كل الابتسامات و"التكشيرات" ومظاهر الخشوع أمام عينها الساحرة, فإن نامت عيونك والمواطن منتبه يدعو عليك.. وعين الله لم تنم.