بقلم : محسن ابو رمضان
كانت انتخابات عام 99 والتي جرت لنقابة الصحفيين الفلسطينيين امتداداً لنمط الاتحادات الشعبية والمؤسسات التابعة ل م.ت.ف من حيث الكوتا الفصائلية والابتعاد عن المعايير المهنية وغياب الأسس الديمقراطية المبنية على المسائلة والمحاسبة والرجوع إلى مرجعيات النقابة ، كيف لا وقد تمت الانتخابات حينها على قاعدة النظام الأساسي لعام 87 والذي كان يشكل نواة للأسس والمرتكزات التي يجب أن تسير عليها النقابة لاحقاً ، وقد كان ذلك مقبولاً في حينها ، حيث كانت النقابات والمؤسسات المهنية أدوات للتعبئة والحشد في مواجهة الاحتلال وتعزيز مرتكزات الحركة الوطنية كنقيض لسلطة الاحتلال وإدارته المدنية في ذلك الوقت ، أما وبعد تأسيس السلطة الوطنية عام 94 وتوجه قطاعات واسعة من المجتمع باتجاه البناء وتحقيق الإدارة الرشيدة وتعزيز معايير الديمقراطية المبنية على المشاركة ، فلم يعد ذلك مفهوماً بالانتخابات التي تمت عام 99 .
تميزت نقابة الصحفيين منذ انتخاباتها الأخيرة إلى الآن بعدم القدرة على حسم العديد من القضايا مثل تعريف من هو الصحفي وتحديد معايير العضوية وغياب اجتماعات الجمعية العامة وضعف اداء مجلس الإدارة والتفرد و الفئوية وعدم النجاح باعادة صياغة النقابة على اسس مهنية .
كان للمطلب الأخير أهية خاصة على ابواب التحضير للانتخابات النقابية والتي جرت في 6/2/2010، فلم يكن من السهل اجراء تلك الانتخابات وقد تراكمت العديد من المظاهر السلبية إلا بعد ترتيب أوضاعها على اسس مهنية اضافة إلى التأكيد على البعد الوحدوي الهام بين الضفة الغربية وقطاع غزة ، حتى لا تكرس عملية اجراء الانتخابات بالضفة فقط حالة الانقسام السياسي والمؤسساتي هذه المرة الأمر الذي سيعمق الشرخ في وحدة نسيج المجتمع ومؤسساته الوطنية والمهنية الجامعة .
لكل ما تقدم فقد كان لوقفة معظم الكتل الصحفية وفي قطاع غزة ما يبررها من حيث رفض التفرد والهيمنة واعادة استنساخ آليات المحاصصة التي كان يعمل بها في المؤسسات والاتحادات الشعبية سابقاً ، ومن أجل اعادة بناء النقابة على اسس مهنية وصحية تضمن الشفافية والديمقراطية والمشاركة وفق اسس وآليات الإدارة الرشيدة .
كانت مبادة شبكة المنظمات الأهلية والتي دعمت من العديد من القوى السياسة والكتل الصحفية وبعض البرلمانيين وقعها وتأثيرها من حيث المساهمة في بلورة إجماع نقابي ومهني ووطني وديمقراطي يضمن إعادة بناء النقابة على أسس مهنية وديمقراطية ، حيث تضمنت المبادة الدعوة إلى تأجيل الانتخابات لمدة شهرين على الأكثر يجري خلالها تشكيل لجنة عضوية مهنية ومستقلة متوافق عليها تقوم بغربلة العضوية الراهنة وفتح باب التنسيب للاعضاء الجدد الراغبين للانتساب للنقابة ، حيث يتم عقد اجتماع للجمعية العامة لانتخابات مجلس إدارة مؤقت ولمدة عام يقوم خلالها باعادة هيكلة النقابة وتطوير النظام الداخلي بما يضمن اعتماد نقابة مهنية وديمقراطية ومستمرة تخرج من دائرة التجاذبات السياسية والحزبية والفئوية والشخصية والضيقة .
وبالوقت الذي حظيت مبادرة الشبكة على احترام وتأييد العديد من الحقوقيين والسياسيين ومعظم الكتل الصحفية إلا انها جوبهت باهمال واستخفاف من قبل الإدارة السياسية المشرفة على عملية تنظيم الانتخابات بالضفة الغربية والتي كانت مشغولة في ترتيب وتسوية الخلافات الشخصية والى اجراء عملية التنسيب غير الممأسس قانونياً في مقر الأكاديمية الأمنية في أريحا، الأمر الذي يعكس التداخل ما بين الأمني والمدني بالحياة المؤسساتية الفلسطينية ،بما يتعارض مع معايير الديمقراطية التي تفترض ابتعاد الأمن عن السياسية وعن العمل الأهلي والنقابي بطبيعة الحال بوصفه يخضع لمصالح الفئة الاجتماعية المنضوية في إطار التجمع النقابي المحدد .
وإذا كان من غير المفاجئ وفي إطار حمية الاستقطاب والاحتقان والصراع على السلطة بين كل من حركتي فتح وحماس إقدام الإدارة السياسية لحركة فتح بالضفة الغربية بالقيام بالخطوات الساعية باتجاه إجراء الانتخابات دون الالتفات إلى مبادرات المجتمع المدني ولمواقف الكتل الصحفية الأخرى ، فالمفاجئ كان موقف القوى اليسارية ، حيث رفضت بالبداية وفي اطار اجتماع اللجنة التنفيذية ل م . ت . ف إجراء الانتخابات والتي قد تؤدي إلى تقسيم النقابة وتفريغها من مضمونها المهني والديمقراطي ، إلى أن تراجعت عن هذا الموقف واندمجت بالترتيبات الانتخابية وعلى قاعدة الكوتا الفصائلية والتي كانت مرفوضة من قبلها بالسابق بما أنها تريد تجديد عمل المؤسسات النقابية والمهنية على اسس جديدة تعتمد المهنية والاستقلالية وترسيخ المعايير والآليات الديمقراطية في بنيتها الأمر الذي خلق حالة غير مفهومة وغير متسقة مع ذاتها ، فكيف يتم رفض آلية والاندماج بها باليوم الثاني ؟؟ وهل جرى الحنين إلى آليات العمل المؤسساتي السابق ونموذج ذلك جامعة الأزهر المبنى على المحاصصة بين فصائل م . ت. ف ، وكيف يمكن تطوير هياكل المجتمع بالعودة للآليات القديمة ، وهل أصبح شعار الانتخابات الديمقراطية وفق قانون التمثيل النسبي مجرد قول دون ممارسة أو تطبيق ؟؟
آمل من قوى اليسار والديمقراطية أن تراجع موقفها وأن تترجم شعار البديل عبر الابتعاد عن قطبي التنافس والعمل على طرح صيغ تعمل على دمقرطة المجتمع وتصون وحدته بما يشمل وحدة مؤسساته في مواجهة التشرذم والانقسام ولا يتم ذلك إلا بتعزيز الاستقلالية ليس بالموقف فقط ، ولكن بالممارسات ايضاً وما دون ذلك لا يمكن تفسيره سوى الانشداد للقديم الذي يضمن المصالح خارج دائرة الشعارات الرامية للتغير الاجتماعي والديمقراطي في مجتمعنا .
لو استطاعت قوى اليسار ان تبرز في موقف موحد ثم تمتنع عن المشاركة بأية انتخابات تكرس الانقسام وتبتعد عن قانون التمثيل النسبي الكامل وتبقى على قاعدة من المحاصصة والتقاسم وتتجاوز المهنية ، لكانت قد سجلت لنفسها موقفاً مهنياً وديمقراطياً مستقلاً ستلتف حوله قطاعات شعبية واسعة ولكن من الواضح أن اليسار قد أضاع الفرصة مرة أخرى ؟؟ .