ربما لم يكن مفاجئا أن تكون زيارة الرئيس الامريكي باراك أوباما إلى الشرق الأوسط في الأشهر الأولى له في ولايته الثانية، وذلك بالرغم من كل ما قيل عن تعثر علاقته بنتنياهو الذي أعيد انتخابه بدوره لولاية جديدة كزعيم (إسرائيل) الأوحد أو على الأقل هذا ما يبدو في المنظور القريب، مما يعني أنه فرض على الرجلين العمل سويا من أجل مصالح مشتركة.
هذه المصالح هي عنوان الزيارة التي خلت من تسريبات عن جوهرها وحقيقة ما دار خلف الابواب المغلقة، ولكنها اختتمت باعتذار نادر ومفاجئ من (إسرائيل) لتركيا مما يشير الى ان ما جرى بحثه اعمق بكثير من زيارة بروتوكولية كما اشيع وان البحث في ترتيبات لها علاقة بمستقبل المنطقة كان العنوان الرئيس في جدول اعمال الرجلين.
لقد قاد جورج بوش الابن الولايات المتحدة الى حربين متتاليتين مارست فيهما دور الاستعمار المباشر وقضت فيهما على نظامي حكم، ولكنها فشلت في هزيمة الشعوب واقتلاع ارادتها فتجرعت مرارة الهزيمة في معركة الارادة، مما خلف لديها ازمات لازالت اثارها تضرب الواقع الامريكي أدت الى تراخي القبضة الامريكية ورافقه سقوط انظمة موالية وتشكيل انظمة اسلامية الوجهة.
وعلى الطريق كانت (إسرائيل) تخوض حروبها الخاصة التي فشلت بدورها في تحقيق انتصار فيها سواء حرب الفرقان التي ساهمت بشكل او بآخر في انفجار الواقع العربي المحيط وصولا الى حجارة السجيل التي شكلت لطمة حقيقية للاحتلال ونظرياته الامنية والعسكرية على حد سواء وبرز فيها امكانية التكامل في الاداء الميداني المقاوم مع العمل السياسي الداعم والذي كانت القاهرة عمود التحرك فيه والذي يبدو انها تدفع فاتورة ذلك من الاستقرار الداخلي فيها.
صحيح ان (إسرائيل) تلقت الضربة الاعنف على هيبتها من حماس التي تجرأت على قصف (تل أبيب) والقدس ولكنها لما تتحول الى خطر استراتيجي يهدد وجود (إسرائيل) مثلما تعتقد أن اي تغيير على خارطة المنطقة وخاصة في سوريا يمكن ان يحققه فسقوط ترسانة الصواريخ السورية في يد اي قوة اخرى ليس لديها ذات الحسابات السياسية للنظام الحالي يمكن ان يحولها الى عاصفة تضرب (إسرائيل) في اي لحظة او ربما تتجه هذه الصواريخ إذا ما حل اي تغيير في طبيعة موازين القوى الى حزب الله كملاذ اخير وكـ "يد طولى" يمكن ان تتكئ عليها ايران لتواصل تحقيق توازن الردع وخط دفاع اول يمنع (إسرائيل) من مغامرات مباشرة تستهدف الاراضي الايرانية او المفاعلات النووية التي تؤرق الكثيرين.
لذلك فإن (إسرائيل) قد تقدم على ضربة استباقية في الجبهة الشمالية تحسبا كذلك لمنع اي مفاجآت تخشاها ولتوجيه ضربة تنهي التهديد الايراني المباشر على حدود فلسطين الشمالية، لاسيما مع امكانية انقطاع جسر الامداد العسكري الذي يشكله النظام السوري الراهن، مما يحتاج الى اكثر من ضوء اخضر بشكل يصل الى ضمانات بتدخل الجيش الامريكي في اي لحظة حال تدخل ايراني مباشر في وقائع المعركة.
ويبدو ان محاولة المصالحة (الإسرائيلية) التركية تأتي في اطار هذا الترتيب، اذ ان لتركيا اليوم السهم الاكبر في ايقاع الثورة السورية واستمرار التنافر بين (إسرائيل) وتركيا قد تدفع الاخيرة ثمنه غاليا حال اي مواجهة عسكرية على الحدود الشمالية دون تعاون مباشر او غير مباشر من تركيا، ولا يضير (إسرائيل) ان تدفع ثمن استعادة التقارب مع انقرة من تخفيف للحصار على غزة بشكل يؤدي كذلك الى احجام حماس عن فتح الجبهة الجنوبية، مع امكانية اشغالها مجددا بصراع الشرعيات، والذي تضمن (إسرائيل) ان سقفه محكوم بفيتو امريكي على مصالحة يمكن ان تصبح حماس من خلالها جزءا فاعلا في النظام السياسي الفلسطيني.
وقد حدد جون كيري فترة شهرين الى ثلاثة اشهر لاستكمال دراسة ملف الشرق الاوسط وكشف عن نيته البقاء طويلا في المنطقة خلال هذه الفترة، ويبدو ان هذه الاشهر لن تكون لدراسة الملف الفلسطيني المجمد اصلا من البحث الاستراتيجي (الإسرائيلي) لصالح محاولة التدخل في الاقليم والذي نذر الحرب فيه باتت اكثر من اي وقت مضى بل ربما تكون في نهاية الاشهر الثلاث التي حددها كيري.