وصلنا بسلامة الله تعالى إلى قطاع غزة بعد غياب استمر خمسة عشر يوما، قضيت منها ثلاثة عشر في العاصمة الأردنية عمان ويومين ذهابا وعودة. الحديث عن الرحلة بحاجة إلى كتابة، خاصة أن الفلسطيني يعامل معاملة خاصة، والموضوع الأمني يُغلب دائما، دخولي من معبر رفح شكل أزمة للأجهزة الأمنية في المعبر رغم وجود تنسيق، دخلت إلى الأردن وهناك في المطار اُستوقفت لمدة نصف ساعة، وأُعطيت ورقة لمقابلة المخابرات في اليوم التالي وذهبت واعتذروا مؤكدين أن هناك خللا حدث في المطار، دون أن يكون هناك أي استجواب أو ملاحظات مشكورين على حسن الاستقبال وعلى الاعتذار والذي أعطاني انطباعا مختلفا عما كان في ذهني عن المخابرات الأردنية.
في الأردن لا يشعر الفلسطيني أنه غريب عن المجتمع الأردني يسير في شوارعها ويسمع سكانها ولا يرى فرقا كبيرا في المفردات ولا في الشخوص وكنت أرى بعض الشخوص وكأنني أعرفها، وأقول أن هذا يشبه فلان وعلان وهكذا، سرت في بعض شوارع عمان وأسواقها، حتى أسماء المحال التجارية التي تحمل أسماء العائلات هي نفس العائلات الفلسطينية وعندما دخلت عددا من المحال وجدت هذا من رام الله وذاك من نابلس وثالث من جنين وآخر من غزة.
تتميز عمان بالهدوء والانتظام والنظام، حتى السير في الطرقات ما شاهدته أن هناك احترام من السائقين لبعضهم البعض، بمعنى أن السائق إذا أراد الانحراف من اليمين إلى اليسار يجد الفرصة أمامه مهيأة من السيارات التي على الجنب أو التي في الخلف، حالة الأمن عالية ومنضبطة وهذا أمر مهم وضروري في أي مجتمع، ولكن ما افتقدته هو غياب الدفء الاجتماعي، ويبدو أن العلاقات الاجتماعية مسألة غائبة لم اشعر بها، وكأن هناك أزمة في العلاقات الداخلية، وعندما سألت سمعت كلاما كثيرا في هذا الموضوع ليس مهما التطرق إليه الآن على الأقل.
الأردن بلد جميل، وعمان مدينة راقية كل الخدمات متوفرة فيها؛ ولكن التنقل فيها يحتاج أن يملك المواطن سيارة؛ ولكن الوضع الاقتصادي لا يسمح بذلك، هناك بطالة رغم وجود عمالة وافدة، وعند السؤال كان الرد أن الأردني لديه أنفة من العمل في كل الأعمال وان هناك من لا يريد أن يعمل في أي حرفة بل يريد أن يكون موظفا أو في مهنة لا تحتاج إلى جهد كبير وان يحافظ على شكله العام، قدرت البطالة في الأردن بنحو 17% ولكن وزير العمل الأردني وفق ما نشرت صحيفة السبيل أن البطالة أعلى بكثير مما يذكر، ويرى أن النسبة ربما تزيد عن 30%، وضع البطالة في فلسطين مساو لوضعها في الأردن، ولكن الأنفة لدى الشاب الفلسطيني غير موجودة وهذا فرق.
وفي العودة والتي كانت فجرا من مطار الملكة علياء الجديد، وبعد أن قدمت جواز سفري احتجز الجواز وسلم إلى رجل شرطة واصطحبني إلى قسم المخابرات، وخلال سيرنا قال: يبدو أن هناك تشابه في الأسماء. ابتسمت لأني أعلم ما لم يعلم، وجلست انتظر وبعد خمسة وعشرين دقيقة سلم لي الجواز دون أي سؤال أو مقابلة، وعندما وصلت مطار القاهرة تم احتجازي في المطار لمدة ساعتين وقرروا ترحيلي مباشرة إلى معبر رفح رغم وجود زوجتي معي، وهو أمر كان متوقعا، وكنت نفسيا مستعدا للترحيل، وكان همي أن أدرك سيارة الترحيل، وإلا سيكون الحجز في غرفة لا تليق أن يعيش فيها كائن حي، وقدر الله أن ألحق بالسيارة مما سهل الأمر بشكل كبير وشكل راحة نفسية عالية، وبالفعل رحلت وربنا ستر. صاحبنا في السيارة احد العاملين في السفارة الفلسطينية في القاهرة وكان شخصا لطيفا ومهذبا، وكذلك أبو علي مندوب السفارة في المطار، كل ذلك وأنا احمل جواز سفر دبلوماسي!
والسؤال: إلى متى ستبقى هذه الحال وهذه المعاملة مع الفلسطينيين في مطار القاهرة وغيره من المطارات العربية، قضية تؤذي مشاعر المواطن الفلسطيني وتجعله في حيرة من أمره، كل ملل العالم تمر بسهولة إلا الفلسطيني؟