التهدئة تكتيكية، وإن استُثمرت بصورة صحيحة فهي تتحول إلى عمل يصب في مصلحة إستراتيجية المقاومة الفلسطينية بعدما انتقل الصراع في قطاع غزة من المواجهة بالحجارة والاحتكاك المباشر مع جيش الاحتلال قبل الانسحاب من غزة 2005 إلى المواجهة المحدودة في ظل التوغلات العسكرية على تخوم قطاع غزة، ليصل اليوم إلى مواجهات مفتوحة تشن فيها حكومة الاحتلال وجيشها حربا مفتوحة وعدوانا سافرا بلا حدود أو موانع ومحرمات.
ولكبح العدوان المفتوح، وزيادة قدرتنا على التصدي والمواجهة، فإننا نحتاج مقاومة تتمتع بقدرة عالية على الصد والتحمل والعمل بمختلف المجالات والتخصصات من استجماع للقوة وتركيزها وتنظيمها وتكثيفها وآليات مثلى لاستخدامها، ما يتطلب مدد تهدئة متباعدة لإعادة ترتيب الأوراق وتخزين السلاح وبناء الملاجئ، كما يتطلب قرارات سياسية حازمة وموجهة وهادفة، وحملات تدريب وإعداد وعلاقات دولية مؤثرة.
لهذا تبرم بعد كل حرب مفتوحة تهدئة يرتاح فيها الشعب الفلسطيني في غزة، ويعمل خلالها على التقاط الأنفاس واستجماع القوى.
وأثبتت التجارب أن حركة حماس تستثمر هذه المدد أفضل استثمار، فتطور قدراتها الدفاعية على المستويات المختلفة الاجتماعية والسياسية والإعلامية والعسكرية، وعلى جبهة البنية التحتية.
غزة الآن تحتاج عملا متواصلا في ظل تهدئة ينجو فيها القطاع من الحصار الخانق وعمليات الاستنزاف، وذلك لمصلحة بناء قواعد تحتية وتعويض ما نفد من السلاح، والعمل على إنشاء جبهة صديقة للمقاومة، واستقطاع قرارات دولية وعربية لحقها في الدفاع عن نفسها بالإضافة إلى ترميم ما هدم وتعويض ما تضرر.
التهدئة نوع متطور من العمل السياسي، وهي لعب بالإطار الأكثر انفتاحا، وعلى حماس ألا تخجل من التزاماتها وأن تحرص على تطبيقها حرفيا، وفي الوقت نفسه ألا تسمح لأحد بانتهاكها، فهي الآن تنتقل من فكر المقاومة الارتجالية إلى الإستراتيجية.
لا يعيب حماس أن تعلن التزامها التهدئة ما دام الاحتلال ملتزما بمقتضياتها، ومن الطبيعي أن تبذل جهدا للحفاظ عليها ما دامت تنفذ عملية إعداد وتجهيز وتعويض لمخزون صواريخها المستهلك في الحرب الماضية، وأفضل، وأنصح أن تقول ذلك الحركة علنا بما لا لبس فيه.
وبالتأكيد: بعد حرب السجيل وضرب (تل أبيب) فإن الشعب الفلسطيني يتفهم الإعداد والترتيب من طرف حركة حماس، وهناك ثقة كبيرة بقيادتيها السياسية والعسكرية.