قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: قراءة موضوعية في تقرير "الحياة الجديدة"

الكاتب مؤمن بسيسو (أرشيف)
الكاتب مؤمن بسيسو (أرشيف)

مؤمن بسيسو

من يُمعن النظر، موضوعيا، في تقرير صحيفة الحياة الجديدة الذي نشرته قبل أيام حول ما أسمته الصراع القطري الإيراني على توجيه سياسة حركة حماس والسيطرة على دفة القرار فيها، يخلص إلى مجموعة من الملاحظات الدقيقة التي لا تُخطئها العين المجردة أو تنحرف عنها بوصلة الفهم السياسي الثاقب والرؤية الوطنية السليمة.

الملاحظة الأولى أن التقرير خلا تماما من أي دليل أو برهان، فكل الوقائع والمعلومات التي احتوى عليها التقرير جاءت مُرسلة من الألف إلى الياء، ولم يعضّدها أو يُسندها أي مصدر واضح أو حقيقة مؤكدة ينقلها من دائرة التكهنات والافتراضات إلى دائرة الوثوق والمصداقية.

الملاحظة الثانية تكمن في بعض المعلومات قطعية الكذب والتزوير التي احتوى عليها التقرير، ومن أمثلة ذلك الإشارة إلى اجتماعات مكتب الإرشاد التابع لجماعة الإخوان في مصر شهر أيار عام 2009م، وموقف بديع والشاطر وأبو الفتوح والعريان حول اقتراح تشكيل التنظيم الخاص، إذ يعلم الجميع أن أسوار سجون مبارك كانت قد غيبت الشاطر وأبو الفتوح في تلك الفترة، فيما تم انتخاب العريان لعضوية مكتب الإرشاد في نهاية العام.

مثال آخر على عدم صحة بعض ما ورد في التقرير يتعلق بالقول أن كتائب القسام أرسلت المئات من عناصرها إلى مختلف أنحاء مصر بزعم تدريب عناصر الإخوان وافتعال الأحداث والسيطرة على المرافق الهامة بالدولة، وأنها تولت تحريض إحدى المجموعات السلفية المتشددة على تنفيذ مذبحة رفح لخدمة الرئيس مرسي في الإطاحة بالمجلس العسكري، وأن خمسة من منفذي الجريمة تم تصفيتهم داخل أحد الأنفاق الحدودية بين مصر وقطاع غزة.

هل يُعقل أن ترسل كتائب القسام المئات من عناصرها منذ فترة طويلة دون أن يتم اكتشاف أحد منهم حتى اليوم، سواء على يد الأجهزة الأمنية المصرية أو الجيش أو المعارضة المصرية، أو حتى أجهزة الاستخبارات العربية والدولية التي تنشط بقوة على الساحة المصرية هذه الأيام؟!

وهل يصمد خبر تصفية خمسة من منفذي مذبحة رفح أمام الرواية (الإسرائيلية) التي تحدثت عن قيام الجيش (الإسرائيلي) بإبادة المجموعة المهاجمة التي نفذت الهجوم على موقع عسكري (إسرائيلي) على الحدود المصرية؟!

أما الملاحظة الثالثة فتتمثل في انهيار بعض المعطيات التي عرضها التقرير تحت نصال الواقع المعاش، إذ تحدث التقرير عن "فيتو" تضعه كتائب القسام على أي اجتماع لمجلس الشورى التابع للحركة لانتخاب المكتب السياسي الجديد لها، في الوقت الذي شهدت فيه العاصمة المصرية القاهرة مؤخرا اجتماعات مجلس الشورى العام للحركة التي أعيد فيها تشكيل وانتخاب المكتب السياسي بقيادة مشعل، ما يدل بقوة على زيف الكثير من المعطيات التي نشرها التقرير، والأهداف الخبيثة التي حاول من خلالها الإساءة إلى حركة حماس وتشويه صورتها في عيون أبناء شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية.

الملاحظة الرابعة تشير إلى الصيغة الدقيقة لوقائع ومحاضر الاجتماعات المشمولة بالسرية التي طالت الكثير من المواقف والأحداث ذات العلاقة بحركة حماس طيلة المرحلة الماضية، وهي صيغ يستحيل توفرها موضوعيا بهذه الكيفية الواسعة على امتداد الفترة الزمنية المذكورة التي عرضها التقرير.

الملاحظة الأخيرة أن جلّ التقرير يرتكز على الطعن الحصري في موقف مشعل والدور القطري، ويورد الكثير من القصص والروايات التي تعزز هذا الاتجاه، ما يثير الكثير من علامات الشك والريبة في حقيقة المعطيات المطروحة وطبيعة الأهداف المتوخاة من وراء ذلك، ويمنح المتفحص الموضوعي للتقرير أساسا صالحا لاتهام جهات فلسطينية مناوئة لحماس بفبركة التقرير تتويجا للحملة الإعلامية القذرة التي طالت الحركة في بعض وسائل الإعلام الفلسطينية والمصرية والعربية طيلة الفترة الماضية.

يصعب القول أن كل ما عرضه التقرير أكاذيب وأباطيل، فقد يكون هنالك بعض الحقائق المحدودة التي تم تدجينها وليّ عنقها كي تخدم الأغراض الدنيئة والغايات الحاقدة من وراء التقرير، إلا أن الثابت أن غالبية ما ورد في التقرير حبكٌ مضلل، وأكاذيب من نسج الخيال، وافتراءات لا تقوى على الصمود في مواجهة حقائق الواقع وسيرورة الحراك الداخلي الطبيعي داخل حماس وعلاقاتها الإقليمية المختلفة.

البث المباشر