مقال: العرب والأفارقة وفلسطين

عمرو منصور
عمرو منصور

بقلم- عمرو منصور

ناداني أرابو، فنظرت بابتسامة لمحمد، ذلك الطفل الذى لم يتجاوز سنوات عمره الثلاث، وسألت والده صديقي الشيخ إسماعيل أكيبو ماذا يقصد ابنك بكلمة أرابو؟ فأجابني: هو يناديك يا عربي، وكلمة العربي لدينا نحن أهل النيجر ممن لم يذهبوا للدول العربية مقصود بها أيها الشريف لأننا نراكم من نسل الصحابة.

6 أشهر أمضيتها في دولة النيجر جعلتني أكتشف عالم المسلم الأفريقي جنوب الصحراء، ذلك العالم المجهول بالنسبة لنا نحن العرب، فقليلون جداً منا من يعرف شيئا عن الحضارة الزاهرة للإمبراطوريات الإسلامية القديمة غانة ومالي وصنغى، لذا ترسخ في ذهن الكثير من العرب صورة نمطية عن هذا المسلم، فهو هزيل من شدة الجوع، محدود الفكر والثقافة تصل لحد البلاهة، والسخرية منه أمر عادي، وأنه نسخة جديدة بعض الشيء من المسلمين العبيد الذين كان يعذبهم كفار قريش في الأفلام المصرية القديمة، لكن لعل ما أسقط هذه الصورة من عيني قبل السفر هو تخصصي في تاريخ الحضارة الإسلامية لمنطقة غرب أفريقيا، وصديقي النيجري الرائع الذى صادقته في مصر لعدة أشهر قبل سفري.

وجدت ابن بطوطة وقف أمامي وما وصف به حال المسلمين وقت صلاة الجمعة في نياني عاصمة إمبراطورية مالي الإسلامية قبل نحو 6 قرون ونصف يتجسد أمامي في عاصمة النيجر نيامي، فبائعات الخضار والفاكهة في السوق يتوضأن من أباريقِ بلاستيكية استعداداً للصلاة، وقبل الآذان بنحو ساعة امتلأ مسجد جمعية العون المباشر عن آخره بالمصلين، وفرش آلاف آخرون أوراق الصحف وأجولة بلاستيكية خارج المسجد للصلاة عليها، في مشهد إيماني عميق. أما عند صلاة الفجر فمن يصلونه من الكبار والأطفال في المسجد أكثر عدداً ممن يصلون العشاء في أي مسجد عادي بالإسكندرية والقاهرة، فهم يحبون الإسلام عن اقتناع وصدق.

أما نظرتهم للعرب فالمصري مثل الخليجي مثل الجزائري كلهم أتقياء وأثرياء، أو بمعنى أدق براميل نفط ترتدى رداء التقوى، هذه هي الصورة الموحدة لكل العرب في ذهن الأفريقي الذى لم يزر أي دولة عربية، والصورة الوردية عن العرب التي عبر عنها الطفل محمد بكلمة أرابو، للأسف لم أجد لها وجود عند الأفارقة الذين تعلموا في البلدان العربية، التي قبعوا فيها أسفل سلم الوافدين من البلدان الإسلامية، وللأسف هذه المعاملة السلبية تركت آثارها على موقفهم من العرب، بل بلغ الغضب من العرب حد الاعتزاز بفترة الإمبراطوريات الإسلامية الأفريقية الخالصة وعلى رأسها سلطنة عثمان بن فودى أكثر من اعتزازهم بفترة دخول الإسلام لبلدانهم على يد العرب، حتى أنى مكثت 3 أشهر كاملة حتى تمكنت من إقناع زملائي الباحثين النيجريين أنى أقدرهم ونظرتي لهم مختلفة عن باقي العرب، وأوجدت قاسم من الاحترام المتبادل بيننا، وغلبت مشاعر الألفة والمودة على إرث معاملة العرب المؤلمة لهم.

رغم ذلك الحاجز النفسي الكبير لدى الأفارقة من العرب فإن فلسطين.. ما أن أنطق تلك الكلمة بين أصدقائي وزملائي من أهل البلد حتى يرتفع الدعاء بنصرة أهلها فأجد نفسي أتأمل ذلك المعنى الرائع للوحدة الإسلامية وكيف تفرض القضية نفسها على اهتمام ومشاعر مسلمين يعيشون في واحدة من أفقر دول العالم، فأدرك أن فلسطين ستتحرر يوما بدعوات هؤلاء الصالحين وجهاد أبنائها الأبطال.

البث المباشر